وحول طريقة عمله، قالت شركة فيسبوك أن السوار المعصمي سوف يستخدم مستشعرات لاكتشاف الحركات التي ينوي المستخدم القيام بها وذلك من خلال الاعتماد على تقنية التخطيط الكهربائي للعضلات من أجل تفسير النشاط الكهربائي للأعصاب الحركية والتي تقوم بدورها بإرسال المعلومات من الدماغ إلى اليد. سيسمح هذا الجهاز للمستخدم بالانتقال في قوائم الواقع المعزز بمجرد التفكير في تحريك إصبعه لتمريره إلى أي وظيفة من وظائف التطبيق الرقمي الذي ينوي الشخص استخدامه.
ويأتي هذا الإعلان في سياق التوجه الجديد الذي تستثمر فيه فيسبوك وهو خلق واقع محوسب جديد ينتقل بنا من مجرد الحاسوب الشخصي Personal Computer إلى الحاسوب المشخصن Personalized Computer وذلك من خلال توسيع قاعدة الاستثمار في الواقع المعزز. فقد استحوذت فيسبوك في وقت سابق من عام 2019 على شركة Startup CTRL-labs لتقنيات الواقع المعزز بقيمة مليار و500 مليون دولار. وكانت هذه الشركة تعمل على تطوير تقنية التخطيط العضلي EMG للأعضاء الحركية للإنسان لغايات تكنولوجية. إن فيسبوك تمهد الطريق بشكل واسع للوصول إلى مرحلة النقرات الذكية Smart Clicks، عندما تصبح الاستجابات الحركية على اللوحات الرقمية أسبق من الأعضاء الحقيقية. فقبل أن تحرك أصبعك لكي تنقر على رمز الإعجاب، سيكون المعصم قد التقط إشارة الدماغ مسبقا وقام بالفعل.
وكانت الشركة قد أكدت على لسان، توماس ريردون الذي يشغل منصب رئيس مختبر الواجهات العصبية للواقع المعزز في فيسبوك أن سوار المعصم لا يشكل جهازاً متحكماً بالعقل بل هو معني فقط بالجزء الحركي من أعصاب الدماغ. بكلمة أخرى، فالسوار غير معني بالجزء المتعلق بالفكر من الدماغ. وهي محاولة من فيسبوك لطمأنة المستخدمين أنها لا تسعى إلى فرض سيطرتها على تفكير ووعي الإنسان في ظل الاتهامات الكبيرة التي وجهت إليها فيما يتعلق بحملات التلاعب وبث الأخبار الكاذبة. فمن شأن وصول فيسبوك إلى أعصاب الإنسان سوف يبث الرعب في قلوب الملايين من المستخدمين خصوصاً وأن الغضب على الشركة والذي أثاره تغييرها لسياسات الخصوصية على تطبيق واتساب مازال حاضراً وبقوة في أذهان المستخدمين. فبالنسبة إليهم لم تعد فيسبوك مهتمة بتوفير تقنيات تسهر على راحتهم بقدر حرصها على توفير تقنيات من شأنها تعزيز قاعدة بياناتها لاستخداماتها التجارية.
ويأتي الإعلان عن السوار الذكي، الذي مازال قيد البحث ولم يطرح في الأسواق ولم يعلن عن سعره، بعيد الإعلان مسبقا وتحديداً في 9 مارس/آذار 2021 عن النظارات الذكية من فيسبوك المزودة بتقنية الواقع المعزز الذي سيكون بمقدورها الاستجابة للمحيط المباشر للمستخدم. فالمشي بجوار مقهى مفضل للمستخدم قد يحفز النظارات لسؤاله عما إذا كان يرد كوباً من القهوة؟ كما تنوي فيسبوك الإعلان أيضا عن القفازات الذكية وغيرها من الأجهزة الذكية القابلة للارتداء حتى نهاية العام الجاري.
تحاول فيسبوك من خلال هذه الأجهزة الذكية القابلة للارتداء والمزودة بتقنية الواقع المعزز كسر حالة الخوف والجمود في هذا القطاع الناشئ. فبالرغم من كون الفكرة تعد ثورية بحد ذاتها، إلا أنه لم تحظى بالنجاح المتوقع. خذ مثلا Google Glass، التي فشلت فشلا ذريعاً في جذب انتباه المستهلكين ربما لتكلفتها المرتفعة حيث عرضت حينها أي عام 2014 بحوالي 1500 دولار. كما أن تجربة لعبة Polemon Go المزودة بتقنية الواقع المعزز، وبالرغم من اجتياحها العالم عام 2016 إلا أنها تلاشت سريعا عندما فشلت الشركة المنتجة من جعل هذه التجربة سهلة الاستخدام وجذابة للمستهلكين.
تحاول شركة فيسبوك وغيرها من شركات تكنولوجيا المعلومات، ومن خلال البناء على التطور المتسارع في تقنيات الجيل الخامس من الاتصالات G5، والذكاء الاصطناعي، جعل تقنيات الواقع المعزز متاحة للاستخدام اليومي بأسعار معقولة. هذا الترابط والتشابك بين التقنيات الثلاث سوف يجعل من الأفكار التي كنا ومازلنا نشاهدها على شاشات التلفزيون كونها مجرد خيال علمي محض إلى واقع جديد ومعاش. فالحياة الذكية، وليس مجرد البيت الذكي أو المعصم الذكي أو النظارة الذكية، ستصبح بمتناول أيدينا عمّا قريب.
الفكرة باختصار هي كالتالي: سوف تعيش في بيت ذكي، عندما تستيقظ في الصباح، سوف يسألك عن قهوتك المفضلة حالما تدخل إلى المطبخ، هذا بعد أن يكون هيئ الإنارة بناءا على مزاجك، وقبل أن تحرك أصبعك على ماكينة صنع القهوة، سيكون السوار الذكي على معصمك قد أرسل إشارة للماكنة لتبدأ في إعداد القهوة لك. في الأثناء سيكون بمقدورك تصفح الأخبار على شاشة افتراضية بالقرب من طاولة السفرة حيث سيكون بمقدورك الانتقال عبر الصفحات فقط من خلال التفكير بالصفحة التالية من غير أن تحرك أطرافك.
سيكون هناك الكثير من الحديث عن الأبعاد الأخلاقية لمثل هذا الواقع المعزز أو هذه الحياة الذكية. دائما ما تنتظر الأبعاد الأخلاقية وقوع الأضرار الجانبية لأي تكنولوجيا حتى تأخذ المسألة على محمل الجد. ولكن يبدو أن التخوفات على الخصوصية سوف تكون حاضرة بقوة في مثل هذه السجالات الأخلاقية لاحقا. فكلما كان الإنسان أكثر تواصلا مع بيئته الرقمية، وأكثر اندماجاً سيكون عرضة أكثر للاختراق. ونظراً للتاريخ سيء السمعة لشركات مثل فيسبوك فيما يتعلق بالخصوصية، فإن هرولة هذه الشركات نحو هذه التقنية سوف يكون مصدر قلق للملايين من المستخدمين.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.