تعرضت الضفة الغربية على مدار السنوات الماضية لعدوان مستمر، مزج بين التهويد الصامت عبر إنشاء البؤر الاستيطانية، وعمليات المداهمة شبه اليومية والتفتيش واغتيال نشطاء المقاومة الفلسطينية المتزامنة مع عربدة وإرهاب المستوطنين الذين تم تزويدهم حديثا بأكثر من 140 ألف قطعة سلاح إضافة إلى تسليحهم السابق.
في هذا السياق المتوتر أصلا بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية هي الأوسع منذ عدوان "السور الواقي" في عام 2002، وتركزت في مدن جنين وطوباس ونابلس وطولكرم شمال الضفة الغربية، وامتدت لأماكن أخرى مثل قلقيلية ومناطق في الخليل وبيت لحم.
المختلف في هذه الحملة
كان ملاحظا أن هذه الحملة الموسعة شملت أكثر من مدينة ومخيم في نفس التوقيت وهو ما لم يكن معتادا في السابق عندما كانت تركز قوات الاحتلال هجماتها على نقاط محددة، كما لوحظ أن قوات الاحتلال استخدمت وبشكل مكثف الطيران المسيّر والصواريخ وهو ما لم يكن معهودا في حملاتها السابقة في الضفة الغربية.
وبدا لافتا استخدام الاحتلال تقنيات عسكرية مشابهة نسبيا للتي يستخدمها في غزة، وذكر مركز معلومات فلسطين "معطى" أن طائرات الاحتلال نفذت 14 عملية قصف واستهداف جوي شمالي الضفة الغربية في شهر أغسطس/آب 2024 فقط.
ويضاف هنا أيضا أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير طلب من رئيس حكومته بنيامين نتنياهو أن يعد هدف القضاء على المقاومة في الضفة الغربية من أهداف الحرب في غزة.
ومن الواضح أن استهداف البنية التحتية بالتدمير وإغلاق المستشفيات هو إرهاب للمدنيين ورسالة عملية بجعل أماكن سكن الفلسطينيين في الضفة الغربية غير قابلة للعيش لإجبار الفلسطينيين على النزوح من أماكن سكناهم، وهو ما يتساوق مع أهداف الحكومة الإسرائيلية الحالية التي لم تخف خططها لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وهو بالمناسبة أمر تم الإفصاح عنه قبل 7 أكتوبر.
أهداف العملية العسكرية
لم تنزل عين الاحتلال الإسرائيلي وخاصة اليمين المتشدد الذي يحكم اليوم في دولة الاحتلال عن الضفة الغربية، وقد تابع العالم كله خلال الأيام القليلة الماضية تصريحات بن غفير بشأن الضفة، وكذلك المؤتمرات الصحفية لنتنياهو والتي استخدم فيها خارطة توضيحية تم اعتبار الضفة الغربية فيها جزءا من أراضي دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فإن كل ما يجري في الضفة الغربية حاليا على المستوى التكتيكي يهدف بلا شك لخدمة الرؤى الاستراتيجية لدولة الاحتلال حول مستقبل الضفة الغربية.
تعاملت قوات الجيش الاسرائيلي مع الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر كجبهة ثانوية وفي بعض التوصيفات كنقطة قتال وليس جبهة قتال، وذلك بسبب انشغالها في غزة وعلى الجبهة الشمالية، ولكن بعد انتهاء رد حزب الله على اغتيال فؤاد شكر في 25 أغسطس/آب واعتقاد الاحتلال بثبات الوضع في غزة، وتمركزها في فيلادلفيا ونتساريم، شن الاحتلال حملته الموسعة في الضفة الغربية التي يعتقد أنه كان يجهز لها منذ فترة ولكن كان ينتظر التوقيت المناسب.
من زاوية أخرى راقب الاحتلال الإسرائيلي تطور عمل المقاومة في الضفة الغربية كما ونوعا، وبالفعل كان هناك تطور ملموس للمقاومة في شمال الضفة الغربية خاصة في استخدام المتفجرات ضد آليات الاحتلال الإسرائيلي مما أوقع عددا من القتلى في صفوفه.
وفيما كانت الضفة الغربية تغلي بسبب حرب الإبادة المستمرة في غزة وبسبب اعتداءات وانتهاكات المستوطنين والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، خشي الاحتلال من تزايد قوة بنية المقاومة في الضفة الغربية، ولهذا فإن استمرار سياسة جز العشب التي مارسها ضد المقاومة في الضفة يمكن تطبيقها هنا مرة أخرى ولكن بشكل أكبر في تعبير عن حالة الخوف التي تعيشها دولة الاحتلال.
نتائج العملية وتداعياتها
قد يكون للعملية الأخيرة عدة تداعيات ولعل أخطرها على المستوى الاستراتيجي هي خطط الاحتلال المستقبلية بخصوص الضفة الغربية، فإضافة للخطوات التي قامت بها دولة الاحتلال خلال السنوات الماضية، تضع الحملة العسكرية الحالية مزيد من الخطوات العملية الموجهة نحو الضفة الغربية والتي يجاهر بعض قادة الاحتلال بخططهم حولها وتحديدا تهجير الفلسطينيين منها وضم أجزاء كبيرة منها، وهو الأمر الذي ينبغي التنبه له ومواجهته بكل السبل خاصة أن يجري على الأرض بشكل عملي.
ويعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي يعيش هاجس استعادة الردع المفقود بعد 7 أكتوبر ولذلك يحاول الاحتلال بهجومه على الضفة بهذا الشكل أن يظهر أنه يستطيع العمل على أكثر من جبهة، وهو ما أكده الكاتب الصهيوني يوعاز هندل في مقاله في يسرائيل هيوم يوم 6 سبتمبر/ أيلول بضرورة أن يقوم جيش الاحتلال بضربات كبيرة في كل الجبهات بما فيها بيروت.
وعند هذه النقطة قد يكون الاحتلال أيضا بهذه الحملة الموسعة في الضفة الغربية يريد أن يضعف الحالة المقاومة في الضفة لأسباب داخلية وخارجية، فهو لا يريد من جهة انطلاق العمليات ضده من الضفة الغربية، كما أنه قد يكون يعد العدة لهجوم في الجبهة الشمالية ولا يريد حدوث أي مخاطر في هذه الأثناء في جبهة الضفة الغربية.
ويدرك كل متابع لواقع الضفة الغربية أن حالة المقاومة فيها، هي حالة ناشئة ومحدودة بسبب الصعوبات والقيود، ولهذا فإن الاحتلال بقيامه بهذه الحملة العسكرية في الضفة الغربية قد يصل إلى نتيجة عكسية وهي توسع الحالة المقاومة في الضفة عبر انضمام مزيد من المقاتلين لصفوفها وزيادة إرادتها لاجتراح أدوات تسليح وقتال جديدة.
إن حملة الاحتلال العسكرية في الضفة وتحديدا استهدافه للمدنيين والبنية التحتية تفضح سلوكه وتشير أن حملة الإبادة الجماعية التي يقوم بها في غزة تكمن في مخزون عقليته الإجرامية وليس بسبب أحداث 7 أكتوبر، فالضفة الغربية لم يحصل بها 7 أكتوبر، ولكن الاحتلال قتل حتى هذه اللحظة فيها منذ 7 أكتوبر أكثر من 700 شهيداً ومتضامناً. ولهذا فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية تعزز صورة اسرائيل كدولة مارقة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.