في الآونة الأخيرة، أضحت عمليّة حماية البيانات والحفاظ على الخصوصيّة تشكّل جزءاً كبيراً من اهتمامات النّاس، وخاصّةً بعد زيادة استخدامهم للإنترنت، لكن عند التطبيب عن بُعد لم يعد الأمر مجرّد سؤال عابر (هل المنصّة تحافظ على الخصوصيّة؟)، فهنا الخصوصيّة والحفاظ على البيانات تشكّل الجزء الأهم والرئيسي في العمل، لضرورات عدّة على مستوى الفرد والمجموعات السكانية أيضاً.
في هذا المقال سوف أسلّط الضوء على كيفية حماية الخصوصيّة لمستخدمي التطبيب عن بُعد، والهاجس الذي يؤرّق عديداً من النّاس الراغبين أو المضطرّين في استخدام التطبيب عن بُعد، وسوف أجيب عن الأسئلة التي تدور في أذهانهم حول هذا الموضوع.
متى فُرضت الحاجة إلى التطبيب عن بُعد؟
عندما نعود قليلاً إلى الوراء تحديداً في جائحة كورونا، فقد وجد طرفا العلاج (إنسان- معالج) أنّهما مضطرّان لاستخدام التطبيب عن بُعد، وفي بعض الأحيان مجبران على ذلك، إذ إنّ الزّيارة للعيادة تحمل مخاطر العدوى، وإذا أخذنا كلمة مخاطر، وقمنا بإسقاطها على نواحٍ أخرى، فإنّ التطبيب عن بُعد ربما يلزم في أماكن يصبح فيها تأمين الخدمة الطبية خطيراً عدا انتشار الأوبئة مثل الدّول التي فيها حرب أو صراعات.
من الطرفان المعنيّان بالتطبيب عن بُعد؟
في أبسط الطّرق لاستخدام التطبيب عن بُعد، فإنّ طرفي العمليّة (إنسان- معالج)، الأوّل يستخدم وسيلة تكنولوجيّة و"إنترنت" خاصّاً به، والآخر كذلك، وتجري خلال عمليّة التطبيب (حديث، نقل صور، نقل تحاليل وكلّ شيء آخر يخصُّ المريض والمرض).
فإذا افترضنا أنّ كلا الطّرفين يعتمد السريّة والتحدّث بخصوصيّة، فإنّ هناك عمليّة تبادل معلومات تجري بين الجهازين، وهذه البيانات ما لم تحصل حمايتها فإنّها معرّضة للاختراق والتّسرّب، أو عدم الحفظ بطريقة صحيحة، وبالتالي التلف، وهنا تكمن نقطة ضعف عمليّة التّداوي عن بُعد.
ضروريّات لابدّ منها لإتقان العمليّة
يجب على مقدّم الرّعاية الصحية عن بُعد أولاً أن يكون على دراية بالتّكنولوجيا التي يستخدمها وكذلك الطّرف الآخر، ويجب أيضاً أن يقوم ببناء نظام عمل متكامل وأرشفة لحفظ هذه البيانات وترميزها وتشفيرها إذا كان يعمل بشكل منفرد.
وكذلك عليه أن يوفّر لمنصته التي يعمل من خلالها نظاماً خاصّاً لحفظ البيانات والحفاظ على الخصوصيّة، نظاماً يمنع سرقة أو تسريب البيانات في أثناء عملية التواصل والاتصال بين الطرفين.
إنّ هذه الأنظمة على اختلاف أسمائها ومواصفاتها ليست مجانية، وعلى مقدّم الرعاية الطبية عن بُعد الاستثمار فيها؛ لأنّها توفّر على الأقل حماية رقمية آنيّة ومستقبليّة لكلا الطّرفين، وفي حال كان هناك قانون لتنظيم العمل الإلكترونيّ فإنّ شراء أحد هذه الأنظمة يحمي مقدّم الرّعاية عن بُعد قانونيّاً.
كما يجب أن يشير مقدّم التطبيب عن بُعد إلى امتلاك المنصّة هذه الأنظمة ويشرح للطّرف الآخر متلقي الخدمة ما هذه الأنظمة، وأهمّيّتها؛ ليزيد عنده الاطمئنان ولرفع وعيه بطريقة الاختيار الصحيح للمنصّة الإلكترونية التي تقدّم هذا التطبيب عن بُعد، وأحد هذه الأنظمة نظام الامتثال (HIPPA).
ما نظام HIPPA؟.. وكيف يعمل؟
يعبّر مصطلح (HIPPA) عن قانون نقل التّأمين الصحي والمساءلة (Health Insurance Portability and Accountability Act) والذي أُنشئ عام 1996، والسبب الرئيسي لتمرير هذا القانون هو شركات تطوير البرمجيات لقواعد الأمان والخصوصية لتحسين إدارة المرضى والسرية والسلامة التي تسمى PHI (المعلومات الصحية المحمية للمريض)، ومع ذلك، منذ الظهور الأول، جرى العديد من التغييرات والتحديثات على الامتثال HIPPA مع تحسن التكنولوجيا وتحدث تهديدات برامج الرعاية الصحية.
إن إنشاء نظامٍ صحيٍ رقميٍ أو ممارسة التطبيب عن بُعدٍ ليست مجرد إنشاء تطبيقٍ أو موقعٍ إلكترونيٍ، فكثير من المنظمات الصحية تتعرض لمساءلاتٍ قانونيةً جسيمةً نتيجة اختراق المعلومات أو سرية وخصوصية البيانات الصحية لمستخدمي المنصة، لذلك لا بدَّ من الاستثمار في أحد أنظمة الخصوصية على الإنترنت من المؤسسات الصحية والممارسين بشكلٍ فرديٍ، تلافياً لمشكلات قد تعترضهم لاحقاً.
يمكن الحصول على تقنيّة HIPPA بعدّة وسائل، ويحدث ذلك الأمر من خلال الاشتراك بالبرامج التي تدعم هذه الخاصّيّة في بادئ الأمر أو القيام بالاشتراك مع أحد مزودي الخدمات الطّبّيّة الّذين يقومون بدعم هذه التّقنيّة أيضاً.
وربما تفكر المنظمة أو مقدم الرعاية الصحية أنّ هناك تكاليف إضافية، لكن يجب أن نتذكر أنّ شخصاً يفتقر إلى الحذر الأخلاقي وبعض المعرفة بالقرصنة يمكنه الحصول على هذه البيانات التي قد تشمل أطباء أو مرضى ويقوم ببيعها في الإنترنت المظلم وابتزاز أصحابها.
هل الخصوصية المشكلة الوحيدة التي قد تواجه التطبيب عن بُعدٍ؟
لقد ناقشنا في الأعلى مشكلة خصوصية البيانات، ولكن هل تكون المشكلة الوحيدة التي تلازم التطبيب عن بُعدٍ؟ والجواب هو لا بالتأكيد، فهناك مشكلات أخرى قد تواجه الممارسين، مثل عدم معرفة المرضى الكافي بالمبادئ العامة لاستخدام التكنولوجيا، وأيضاً عدم الإيمان بقدرة التطبيب عن بُعدٍ على حل المشكلة.
بالإضافة إلى مشكلات شبكة الإنترنت أو الاحتياج أحياناً إلى وسائل تكنولوجيةٍ حديثةٍ غير متوافرة، وضيق وقت الأطباء في تقديم خدمات التطبيب عن بُعد، كل ذلك يؤدي إلى مشكلات أخرى تتجاوز مشكلة الخصوصية، مع أنّ هذه المشكلة تتربع على مشكلات التطبيب عن بُعدٍ.
هل هناك لوائح أخرى غير (HIPPA)؟
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الآن أنّ هناك نمطاً واحداً من اللوائح، لكن بمراجعةٍ بسيطةٍ نجد أنّ هناك عدداً من اللوائح تخصُّ الاتحاد الأوروبي، وأخرى تخصُّ كندا أو الإمارات، وعلى ممارس عملية التطبيب عن بُعد أن يعتمدّ اللوائح المعتمدة في بلده، وعلى المسؤولين في القطاعات الطبية أن يصمّموا لوائح تناسب بلادهم لضمان حماية الخصوصية، وحماية المزاولين وأيضاً المستفيدين من الخدمة.
وعند الشك بوجود اختراقٍ للبيانات يجب الإبلاغ فوراً للجهات الصحية وأيضاً إشعار المرضى بذلك وقطع الوصول من الأجهزة الطرفية أو الإنترنت، والقيام بمراجعةٍ شاملةٍ لنظام الامتثال المعتمد.
في الختام، أريد أن يصل القارئ إلى حقيقةٍ أنّ التطبيب عن بُعدٍ أصبح ضرورةً لا غنى عنها، فُرضت علينا بعد التطور التكنولوجي، وعزّز الحاجة لها وباء كوفيد-19.
صحيح أنّها تحمل في طيّاتها بعض القلق من خصوصية البيانات، إلا أنّها تحل عديداً من المشكلات، وخاصةً عدم توافر التخصّصات المطلوبة في كل مكان، أو تأخر الحصول على موعدٍ عند معالج ما لأسابيع أو أشهرٍ، كما أنّ هذه المخاوف تتبدّد جميعها لو أنّ الدول تضع قوانين لحوكمة هذا القطاع.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.