الولايات المتحدة قررت منع عمر برغوثي، أحد مؤسسي حركة المقاطعة الفلسطينية الدولية المعروفة بـ BDS من السفر إليها، على الرغم من وجود تأشيرة سفر سارية إلى الولايات المتحدة على وثيقة سفره الإسرائيلية، الأمر الذي أتى مباشرة من دائرة خدمات الهجرة الأمريكية لمطار بن غوريون في تل أبيب.
كان على جدول زيارة برغوثي للولايات المتحدة خطابات من المتوقع أن يلقيها في حرم جامعات أمريكية كبرى مثل جامعة هارفرد ولقاءات مع صحفيين وإعلاميين للحديث عن الـBDS، حركة المقاطعة الفلسطينية الدولية التي تهدف إلى سحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، الحركة التي تؤرق الإسرائيليين كثيراً، والتي قررت الأخيرة بدورها تلقّي الدعم الخارجي من رعاياها لهزيمة حركة المقاطعة الفلسطينية الدولية ومؤسسيها.
"تصفية شعبية" لقيادات حركة المقاطعة
تعمل حركة BDS على الضغط الخارجي على إسرائيل لتغيير نهجها مع الفلسطينيين، من خلال التأثير على الشركات الدولية التي تتاجر مع الشركات الإسرائيلية، أو التأثير على المثقفين والفنانين وحثهم على عدم التعاون مع نظرائهم الإسرائيليين، كذلك توصف الحركة بأنها "الوريث الروحي" لحركات مقاطعة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في الثمانينيات، إلا أن إسرائيل ترى أن BDS حركة تعادي السامية وتجب محاربتها.
"يجب القيام بتصفية شعبية موضعية لقيادات BDS"، قالها وزير الشؤون الخارجية والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وأكد ذلك وزير الداخلية الإسرائيلي أرييه درعي، بأنه سيعمل على إبطال إقامات قيادات حركة الـBDS في إسرائيل وعلى رأسهم عمر برغوثي، الذي يستغل الحقوق التي منحتها له إسرائيل على حد قوله، ويسافر حول العالم ليجعل من إسرائيل الدولة الأكثر شراً في العالم.
تعنتت وزارة الداخلية الإسرائيلية في تجديد الإقامة الدائمة الخاصة بالحقوقي الفلسطيني عمر برغوثي، بسبب تأسيسه حركة المقاطعة ونشاطه الدولي فيها، وهو ما وصفه برغوثي نفسه بمحاولة إسرائيل فرض "الإقصاء المدني" على المدافعين عن حركة المقاطعة السلمية.
إذ تكرر منع برغوثي من السفر لأكثر من مرة خلال السنوات الماضية ولوحظ التعنت المستمر في تجديد إقامته الدائمة على الرغم من قرار القضاء الإسرائيلي بعدم وجود سبب يمنع وزارة الداخلية من تجديد وثائق برغوثي.
الأمر الذي دفع منظمة العفو الدولية إلى الضغط على إسرائيل لرفع حظر السفر عن عمر برغوثي أول العام الجاري، ولكن حسب عدة مسؤولين في الوزارة الإسرائيلية فإن قيادات BDS "يجب عليهم دوماً أن يدفعوا الثمن"، فعلى الرغم من وثائق برغوثي القانونية التي تسمح له بالسفر من إسرائيل والعودة إليها، فإن إسرائيل استعانت براعيها الأكبر، الولايات المتحدة، لتمنع الأخير من السفر، وربما تبدأ عهداً جديداً لمحاربة كل مؤيد لحركة المقاطعة الفلسطينية الدولية.
يقول عمر برغوثي، أحد مؤسسي حركة BDS لـTRT عربي "إن منع الولايات المتحدة لي من دخول أراضيها إرضاءً لسياسة إسرائيل وحربها المفتوحة على حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS من أجل حقوق الشعب الفلسطيني، ربما يؤشر إلى مرحلة جديدة من التواطؤ الأمريكي من قبل هذه الإدارة المتطرفة المعادية لشعبنا الفلسطيني".
يتابع برغوثي "تواطؤ الإدارة الأمريكية هذا لم يثننا عن النضال لتحقيق أهداف حركة المقاطعة الثلاثة وهي إنهاء الاحتلال، إنهاء نظام الفصل العنصري الأبارتهايد، وحق العودة للاجئين، إذ يشكل اللاجئون الفلسطينيون الغالبية الساحقة من شعبنا ولن نهدأ حتى يتم تحقيق هذه الحقوق الثلاثة".
ما بعد صفقة القرن هل يأتي دور BDS؟
حددت الإدارة الأمريكية وتحديداً صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر إعلان صفقة السلام في الشرق الأوسط المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن" بعد شهر رمضان المقبل، الصفقة التي من المقرر أن تضم المستوطنات اليهودية على أراضي الضفة الغربية لإسرائيل وأن تفرض سلاماً مع الدول العربية من خلال القوة كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبل.
ولكن تبقى حركة المقاطعة الدولية والأصوات المدافعة عن فلسطين هي ما يؤرق إسرائيل، ولهذا اضطرت الأخيرة إلى الاستناد إلى مصادر الدعم الخارجية لتقييد حريات المدافعين عن الفلسطينيين في الداخل والخارج.
في مطلع العام الجاري، قرر الكونغرس الأمريكي تمرير قانون جديد ينص على معاقبة الشركات الأمريكية التي ترفض التعامل مع إسرائيل أو المنتجات الإسرائيلية، أو في سياق آخر قانون يهدد كل مؤيد لحركة المقاطعة الفلسطينية الدولية BDS في الولايات المتحدة، القانون الذي وصفه الكثيرون بأنه غير دستوري.
بعض الولايات في الولايات المتحدة مثل ولاية تكساس أصبحت تفرض على الموظفين الحكوميين فيها توقيع تعهد بعدم مقاطعة إسرائيل أو المشاركة في أي فعل قد يعرقَل من الصفقات التجارية أو التعاون مع الشركات الإسرائيلية أو ممثلي تلك الشركات، هذا التعهد يسري على الموظفين الأمريكان من أصول عربية أو أصول مسلمة.
يقول حسان عمران الحقوقي والمحامي الفلسطيني لـTRT عربي، إن صفقة القرن تأتي بتفكير مختلف هذه المرة، وهو ما يهدف لحل مع الفلسطينيين دون وجود الفلسطينيين، فبعد إغلاق الكثير من الملفات قبل الإعلان الرسمي لصفحة القرن، مثل ملف هضبة الجولان وإعلان الولايات المتحدة سيادتها عليها، وملف اللاجئين الفلسطينيين بعد أن قطعت الولايات المتحدة المساعدات لهم، تبقى بعض الأمور الجانبية العالقة مثل إشكالية الأصوات المناصرة لفلسطين حول العالم مثل حملة BDS، وهو الملف "المزعج" للجانب الإسرائيلي الذي يتعين عليها إغلاقه.
يتابع عمران "هذا عهد جديد يهدف إلى إغلاق كل الملفات التي قد تسبب لإسرائيل حرجاً أخلاقياً أو ربما اقتصادياً، حملة BDS نشأت بطموح متناسق مع القانون الدولي، ولكن غير متناسق مع بعض الدول الغربية التي تصطف حكوماتها بشكل كامل مع الحكومة الإسرائيلية، ولهذا تعمل حركة BDS في بيئة صعبة غير مناصرة لها، وعلى الرغم من ذلك فإنها لا تزال تحقق نجاحات على المستوى العلمي والثقافي، كذلك فإنها تعيد تعريف صورة دولة الاحتلال دولياً وهو أبرز إنجازاتها.
يعد منع عمر برغوثي من السفر إلى الولايات المتحدة هو بداية عهد جديد تمنع فيه الولايات المتحدة الأشخاص من السفر بناءً على توجهات سياسية تعارض إسرائيل وتنتهك بهذا قوانين الولايات المتحدة، وذلك كله ما بين إدارة أمريكية لا تفضل الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وإدارة إسرائيلية يمينية متطرفة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تنفق الملايين من الدولارات وتنشئ وزارة خاصة فقط لمراقبة حملات مثل BDS ومكافحتها، مثل وزارة الشؤون الاستراتيجية.
حركة المقاطعة الفلسطينية الدولية تواجه ضغطاً أمريكياً إسرائيلياً لتقييد حريتها، إذ يتابع برغوثي في حديثه لـTRT عربي أن الشراكة الأمريكية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لن توقف نضالنا الشعبي المستمر في تحصيل حقوقنا، حركة المقاطعة BDS تنتشر وتمتد حول العالم، ووصولها إلى التيار العام هو الذي أدى إلى هذا الهلع من الحكومة الإسرائيلية وهذا لن يمنعني من الاستمرار في نشاطي، لن أستطيع حضور زفاف ابنتي في ولاية تكساس في الولايات المتحدة وهذه خسارة لي، ولكن هذا لن يثنيني عن الاستمرار في النضال.