موعد الانتخابات العامة الإسرائيلية اليوم، التي يتنافس فيها فاسدان، يتباهيان بقتل المدنيين ويعيدان كتابة التاريخ بالترويج لسيادة الدولة على أراض لم تكن قط ملكاً لها، تمهيداً لصفقة قرن "تطمئن إسرائيل" وتدعم استمراريتها في المنطقة، وتفرض سلاماً من خلال القوة.
انتخابات شرسة بين اليمين واليسار، يقود الأول بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دام في حكمه عشر سنوات ومتهم الآن بثلاث قضايا فساد من بينها خيانة الثقة واستغلال المنصب والحصول على رشوة مقابل الحصول على دعاية إعلانية إيجابية له خلال الانتخابات.
أما الثاني فيقوده بيني غانتس، رئيس هيئة الأركان السابق، ومرشح تحالف اليسار "أبيض أزرق"، الذي يتهمه حزب الليكود، بقيادة نتنياهو، بقضايا فساد هو الآخر، ويدعو المدعي العام ليفتح تحقيقاً جنائياً بخصوص شركة غانتس للأمن السيبراني حول حصول شركته على الملايين بشكل غير قانوني قبل أن تعلن إفلاسها.
هدايا " للملك بيبي" الجديد
يدخل نتنياهو، أو كما يطلق عليه اليسار الملك بيبي الجديد، سباق الانتخابات بدعم أمريكي واضح، بعدما قدمت له واشنطن هدايا تزيد شعبيته في الشارع الإسرائيلي، فنقلت سفارة البلاد إلى القدس، وأعلنت السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل بشكل يتنافى مع القوانين الدولية.
الدعم الأمريكي شجع بنيامين نتنياهو على رفع السقف عالياً بالحديث قبيل الانتخابات عن ضم المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية لإسرائيل بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية.
يقول حسان عمران، حقوقي فلسطيني والمدير التنفيذي لمؤسسة العدالة الواحدة في باريس، في حديثه لـTRT عربي، إن "الهدايا الدولية الممنوحة لنتنياهو تزيد شرعيته لدى الشارع الإسرائيلي، فلدينا اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، الأمر الذي أثار اندهاش مستشاري ترمب أنفسهم، كما نرى التدخل الروسي في تسليم بوتين رفات جندي إسرائيلي مفقود من 37 عاماً في لبنان، إضافة إلى التهدئة المصرية في غزة لأول مرة، بهذا استطاع نتنياهو أن يرفع السقف كثيراً".
الهدايا الدولية الممنوحة لنتنياهو تزيد شرعيته لدى الشارع الإسرائيلي، فلدينا اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، الأمر الذي أثار اندهاش مستشاري ترمب أنفسهم، بهذا استطاع نتنياهو أن يرفع السقف كثيراً
نتنياهو يعتبر ضلعاً أساسياً في صفقة القرن، المتوقع الكشف عنها بشكل علني بعد الانتخابات، ذلك إن لم يكن نتنياهو قد بدأ بالفعل بتنفيذ بنودها التي تنص على الاستقرار في المنطقة من خلال ضم الضفة الغربية إلى الأراضي الإسرائيلية، وعرض قطاع غزة على الحكام العرب ليتولوا أمره، وهي الأمور كلها التي صرح بها نتنياهو مؤخراً في مقابلة له أكد فيها أن خيار احتلال غزة من جديد لا يزال على الطاولة وأنه عرض القطاع على الحكام العرب إلا أنهم رفضوا العرض.
أكد عمران في حديثه لـTRT عربي أن حل السلام لنتنياهو، إذا استمر حكمه بعد هذه الانتخابات، هو أن يفرض رغبات طرف واحد في المعادلة (وهو إسرائيل) على الطرف الآخر من خلال إنهائه، أي أن يعقد السلام مع الفلسطينيين دون وجود الفلسطينيين.
التباهي بالقتل لأجل الفوز بالحكم
لم تكن الحملات الانتخابية الإسرائيلية هذه المرة كسابقتها، فاضطهاد "الأقلية العربية" في إسرائيل صار أمراً واقعاً يروج له المرشحون ويتفاخرون به علناً، فضم الذم والقدح علناً لأعضاء الكنيست العرب، وضم التشهير بقتلهم في مقاطع حملاتهم الانتخابية، كما ضم التباهي بالقتل والتدمير في قطاع غزة، ذلك كله دون أي رد عربي.
فيديو يظهر فيه عضو الكنيست العربي السابق ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي جمال زحالقة بينما يقتله المرشح الإسرائيلي أورن حزّان في المقطع الخاص بحملته الانتخابية
قاد المسير غانتس بنشره سلسلة من المقاطع المصوّرة من تدمير أجزاء من قطاع غزة عقب الحرب الأخيرة التي شهدها القطاع ضمن عملية "الجرف الصامت" التي قادها الجيش الإسرائيلي على حماس بينما كان غانتس رئيساً للأركان حينها.
"البقاء للأقوى" كان شعار غانتس، وجسّده في ترويج مشاهد من حربه على غزة من خلال التباهي بقتل المدنيين، كما عرض في أحد المقاطع عملية اغتيال أحمد الجعبري القيادي في كتائب القسام عام 2012، وينهي الفيديو بجملة "القوي هو من ينتصر فقط، إسرائيل قبل الجميع".
ما بين التباهي بقتل المدنيين من الفلسطينيين والتحريض على قتل أعضاء الكنيست العرب، استمرت الحملات الانتخابية الإسرائيلية في اضطهادها المكثف العلني ضد الفلسطينيين في أغلب الشعارات المُستخدمة، إذ اتخذ حزب "البيت اليهودي" اليميني شعاره كالآتي:"فقط حزب البيت اليهودي سيحافظ على الرملة اليهودية".
هذه الانتخابات هي الأولى بعد تمرير قانون القومية اليهودية، الذي ينص على يهودية إسرائيل وحق تقرير المصير لليهود، وينص على أن العبرية هي لغة البلاد الرسمية وأن عاصمة البلاد هي القدس الكاملة والموحدة، وسط دعوة بعض الدول العربية إلى إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل وتراجع دول أخرى كانت مؤيدة لحل الدولتين لتتخذ الآن وضع الحياد كما هو الحال في الصين وروسيا والهند.
يقول يوسف جبارين، عضو الكنيست عن القائمة العربية المشتركة، في حديثه لـTRT عربي، إن الشارع الإسرائيلي يميل إلى اليمين والتطرف، ولا توجد معارضة حقيقية من اليسار تطرح حل الدولتين على أنه المخرج الوحيد للصراع، ولا يمكن أن يكون سلام أو استقرار دون قيام دولة مستقلة تضمن حق الشعب الفلسطيني، وأنا واثق أن الشعوب العربية ستبعث بهذه الرسالة إلى قياداتها.
العرب يطمئنون إسرائيل
الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة تأتي برعاية ومباركة عربية بمشاركة دول محسوبة على الربيع العربي، وأغلب الدول في الخليج العربي، من زيارات علنية متتابعة لمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى لحكام وملوك الدول العربية وفخر إسرائيلي بتوطيد العلاقات سواء كانت في العلن أو في السر، وهو ما وصفه بنيامين نتنياهو بأنه "فرض السلام من خلال القوة".
كان آخر مشاهد المباركة العربية تصريح يوسف بن علوي، وزير الخارجية العماني، بأن على الحكومات العربية "طمأنة إسرائيل" وأن تُبدد مخاوفها من الاستمرارية في المنطقة، وأن على العرب وضع حل ينهي هذه المشكلة.
يقول جبارين إن نتنياهو يستغل علاقاته مع الدول العربية لطمأنة الشارع الإسرائيلي وينفي بذلك وجود أي ضغط من الدول العربية لا عليه ولا على مستقبل إسرائيل، الأمر الذي يزيد شرعيته كثيراً.
نتائج الانتخابات الإسرائيلية قد تؤدي إلى طي اتفاق أوسلو، والعودة إلى ضم الضفة الغربية مساحة وسكاناً، وإعادة تكريس احتلال قطاع غزة وطمس القضية الفلسطينية برمتها.
رغم كل الانتكاسات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية الآن بخاصة من الأشقاء العرب، فإن عمران يرى أن"بعض القادة العرب ربما نجحوا في تغييب القضية الفلسطينية عن الشعوب العربية بعد الربيع العربي، إلا أن القضية الفلسطينية لم تصبح على هامش التاريخ، ولا أستطيع أن أقول أنها صارت جزءاً من التاريخ بعد، ولكن العامل الفلسطيني في المعادلة الإسرائيلية قد قل كثيراً، لقد رفع نتنياهو السقف عالياً، والعرب صاروا مجرد كرة في الملعب".