تابعنا
كان حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم قد تراجع في نتائج الانتخابات بالولاية التي تُعتبر "البوصلة" التي يقيس من خلالها الحزب، المعروف بسياسته اليمينية المتطرفة، مدى شعبيته في البلاد.

ما زالت نتائج الانتخابات البرلمانية في مدينة "كارناتاكا" جنوبي الهند تُحدث ضجة في الأوساط السياسية بالبلاد، بخاصة بعدما وصفها مراقبون بالمفاجأة المدوية في وجه الحزب الحاكم.

وكان حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم قد تراجع في نتائج الانتخابات بالولاية التي تُعتبر "البوصلة" التي يقيس من خلالها الحزب، المعروف بسياسته اليمينية المتطرفة، مدى شعبيته في البلاد.

ومن أصل 224 مقعداً، لم يستطع الحزب الذي يترأسه، ناريندرا مودي الهندوسي ذو الميول اليمينية المتطرفة، ضمان أكثر من 63 مقعداً، مقابل حزب "المؤتمر الوطني" العلماني المعارض الذي منحه الناخبون 136 مقعداً.

الولاية المفتاح

يبلغ عدد سكان ولاية "كارناتاكا" الهندية 65 مليون نسمة، أغلبهم من الهندوس الذين طالما دعموا الحزب الحاكم في جولاته الانتخابية السابقة، العامة كانت أو البرلمانية.

فمنذ فوزه لأول مرة سنة 2014، ظل حزب مودي يستند على ولاية "كارناتاكا" باعتبارها معقله التقليدي، حيث حصل على 104 مقاعد في الانتخابات الأخيرة التي عاشتها الولاية سنة 2018.

ويقول المهتم بالشأن الهندي والباحث في الإعلام الاجتماعي، الدكتور يحيى العتواني في تصريح لـTRT عربي "من الآن فصاعداً ستصبح كارناتاكا وعاصمتها بانغلور، الثقل الحقيقي الذي سيستند عليه حزب (المؤتمر الوطني) المعارض بقيادة راهول غاندي".

ويرجع العتواني "سبب الإطاحة بحزب مودي في الجنوب، للعنصرية التي مورست ضد المسلمين وكان آخرها الاعتداء على طالبات مسلمات في إحدى الكليات في مدينة بانغلور. حيث لاقت هذه الحادثة تعاطفاً من قبل الكثير من ضمنهم الهندوس".

كما أشار إلى أن المصوتين تجنبوا التصويت لصالح حزب مودي بسبب قضايا الفساد المُتهم بها، مما رجّح الكفة لحزب "المؤتمر الوطني" المعارض.

حملة عملاقة ونتائج هزيلة

لم يدّخر حزب "باهاراتيا جاناتا" أي وسيلة في محاولته إقناع الناخبين في ولاية "كارناتاكا"، إذ قاد مودي الحملة الانتخابية بنفسه، وجال على المكاتب، وخطب في التجمّعات ليقنع الجمهور الهندي في الولاية بتجديد الثقة بحزبه والظفر بأكبر عدد من المقاعد.

وتمسّك الحزب في حملته الانتخابية بالخطابات ذاتها المعلنة لعدائها للأقلية المسلمة والتي تمجد الهندوس، وعقيدة "الهندوفتا" (القومية الهندوسية)، كما وعد مودي ببرامج تضيق الخناق أكثر على المسلمين في الولاية.

بالمقابل، قدّم حزب "المؤتمر الوطني" برامج للتنمية ومحاربة الفقر في الولاية كما وعد راهول غاندي الناخبين بحظر منظمة "باغرانغ دال" القومية الهندوسية شديدة التّعصّب.

مناهضة دولية للحزب

يشير الخبراء إلى أن الحزب الحاكم في الهند لم ينل صداقة ولا استحباب الكثير من القوى في العالم، فقد سبق وأن وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية في افتتاحية لها في نوفمبر/تشرين الثاني من 2022 حزب مودي بـ"المصدّر للشوفينية الهندوسية.. الأمر الذي يثير قلق الجميع".

واعتبرت الصحيفة أن انتشار العنف ضد المسلمين في عدد من دول العالم جرى استنساخه من الهند، على غرار ما حدث سابقاً في بريطانيا والتي افتعلها هندوس من أصول هندية، إذ اندلعت أعمال عنف بين المسلمين والهندوس في ليستر شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

وكانت قد منعت السلطات الأمريكية مودي من دخول أراضيها قبل توليه رئاسة الوزراء ببلاده، وذلك لتساهله مع أعمال شغب كانت قد استهدفت المسلمين سنة 2002 وقُتل على إثرها المئات منهم عندما كان يتولى رئاسة ولاية "غوجارات".

يضيف العتواني، "كما جرى الاعتداء على دور العبادة في مناطق متفرقة، إلى جانب اتهام الحزب بالفساد والمحسوبية وتردي الوضع الاقتصادي في البلاد".

بوليود في قلب حملة مودي

شكّلت الحملة الانتخابية في ولاية "كارناتاكا" الهندية بالنسبة لـ"بهاراتيا جاناتا" نقطة فاصلة، حيث جرى تسخير كل الإمكانيات، بدءاً بوجود مودي بنفسه في الحملة وسط الناخبين وصولاً لدعم أفلام سينمائية للترويج لإيديولوجية الحزب.

وقد أثار فيلم "قصة كيرالا" ضجة واسعة في الهند وخارجها بعدما قدم صورة صادمة عن الإسلام بوصفه "ديناً متطرفاً". وقد حقق الفيلم أكثر من 450 مليون روبية (5.50 مليون دولار) في مبيعات التذاكر.

وقد ساند الفيلم العديد من الشخصيات المهمة والمعروفة، أبرزها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي قال إن العمل يظهر الحقيقة، إذ قال مودي في تصريحات صحافية على هامش تجمع انتخابي في ولاية "كرناتاكا" إن "الفيلم عرّى الإرهاب في ولاية واحدة فقط".

وأوردت تقارير إعلامية أن ولايتا "أوتار براديش" و"ماديا براديش"، اللتين يتولى حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم السلطة فيهما، قد أعفت الفيلم من ضرائب الدولة مما جعل التذاكر في متناول الجميع وذلك لتعزيز رواية الكراهية ضد المسلمين.

وبعد عرض العمل في عدد من الولايات الهندية، زادت رقعة الاحتجاجات المناهضة له، ووقعت اشتباكات طائفية بمدينة أكولا، اعتقلت على إثرها السلطات الهندية ما يزيد عن 100 شخص في أعقاب وفاة شخص وإصابة ثمانية آخرين.

كما احتج المتظاهرون بسبب الفيلم في ولاية ماهاراشترا غربي البلاد، وكانت السلطات في الولاية قد حجبت الإنترنت وفرضت حظر تجول في المنطقة للتحكم في الغضب الشعبي، حسب تقارير إعلامية محلية.

ولم تقتصر الاحتجاجات ضد الفيلم على الولايات الهندية فقط، ففي مدينة برمنغهام الإنجليزية، احتج الناشط الكشميري، شكيل أفسر، في فيديو مدته تزيد عن الـ10 دقائق عبر حسابه على تويتر، وظهر الناشط في عدد من البرامج الشهيرة في بريطانيا للحديث عن الموضوع.

وقال الناشط، "العمل عبارة عن دعاية لحزب رئيس الوزراء الهندي مودي الذي يرتبط اسمه في البلاد بالعدائية والتطرف تجاه المسلمين".

وناشد أفسر متابعيه لمقاطعة الفيلم، مذكّراً أن "الهنود والمسلمين كانوا يعيشون في سلام مع بعضهم البعض وأن (قصة كيرالا) يروج للكراهية والإسلاموفوبيا"، حسب تعبيره.

توظيف الفن في السياسة

رئيس جمعية البركة للإغاثة، أحمد الإبراهيمي، قال لـTRT عربي إن الهيئة التي يرأسها "وقفت عند الكثير من التجاوزات اللاإنسانية التي تمارس في حق الأقلية المسلمة في الهند".

وأضاف أن "عملاً مثل (قصة كيرالا) يعزز خطاب الكراهية ضد الأقلية المسلمة وأن العنف لا يكمن فقط في استخدام السلاح، وإنما الفن والإعلام قد يستخدمان أيضاً للغرض نفسه".

ودعا المتحدث المنظمات الإغاثية الدولية للوقوف في وجه الحملات الممنهجة التي تنظمها الفئات المعادية للمسلمين في الهند، مشدداً على أن "العنف يظل عنفاً مهما كانت أداته معنوية ونفسية أو مادية وملموسة".

تحدي الانتخابات العامة بعد سقطة "كارناتاكا"

يرى الخبير بالشأن الهندي، الدكتور يحيى العتواني أن "النتائج التي حققها حزب راهول غاندي في كارناتكا ستعلّي سقف طموحاته في الحكم وتدفعه إلى منافسة مودي في الانتخابات العامة العام القادم".

وأضاف، "هناك احتمالية كبيرة أيضاً للدخول في تحالفات سياسية مع الأقليات التي تتخذ موقفاً ضد عنصرية مودي وتتهم حزبه بالفساد للإطاحة به".

ويستدرك العتواني بالقول، "في المقابل شعبية مودي في الشمال ما زالت قوية وقد يكون تأثيرها ليس كبيراً على النتيجة العامة للانتخابات المزمع عقدها العام المقبل. تبقى حظوظ غاندي كبيرة بالفوز، مع ذلك تبقى كل الاحتمالات قائمة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً