في كل يوم من فعاليّاته، شهد معرض الكتاب العربي ازدحاماً بين أروقته وأمام أجنحة دور النشر المشاركة، مع توافد محبّي الكتاب العربي من أبناء الجالية العربية المقيمة في تركيا والمهتمين بها من الأتراك.
اقتنى هؤلاء العناوين المختلفة، وشاركوا في توقيعات الكتب بحضور مؤلفيها، وأقبلوا على المحاضرات والندوات الفكريّة العديدة.
تحت عنوان "العربية تجمعنا"، تنظم فعاليات معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي في دورته الثامنة على أرض المعارض في مدينة إسطنبول من 9 إلى 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ويعدّ المعرض أكبر حدث ثقافي عربي غير ربحي في تركيا، ويهدف إلى إحياء اللغة العربية وتوثيق الصلات بين المجتمعين التركي والعربي.
حضور رسمي
بدأت فعاليات المعرض بحضور ياسين أقطاي، المستشار الأسبق للرئيس التركي، وتانير بي أوغلو، المدير العام للمكتبات الوطنية التركية، ومحمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، وجاسم البوعينين، مدير معرض الدوحة للكتاب.
وينُظّم المعرض اتحاد الناشرين الأتراك والجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي وجمعية الناشرين الأتراك، وذلك بدعم من ولاية إسطنبول ووزارة الثقافة التركية ووكالة الأناضول.
وتشارك في المعرض أكثر من 250 دار نشر، تمثّل 30 دولة حول العالم، تعرض أكثر من 150 ألف عنوان، وتتخلّله فعاليات ثقافية متنوعة.
ويقول المنسق العام للمعرض، محمد أغير أقجة، إن المعرض يُعتبر الحدث الأكبر للكتاب العربي خارج الدول العربية، مشيراً إلى مواصلة تحدي الثقافة المستمر عبر معرض الكتاب الذي يعد تتويجاً للنشاطات الثقافية.
من جهته، صرّح المدير العام للمكتبات الوطنية في وزارة الثقافة التركية، تانر بي أوغلو، بأن وزارة الثقافة والسياحة تعمل بشكل مكثف مع الناشرين في التعريف بالثقافة والأدب.
وقال في كلمته خلال حفل الافتتاح: "نسعد بجني ثمار ذلك داخل تركيا وخارجها، هذا العام ستُحطم أرقام قياسية في عدد العناوين التي تنتجها الوزارة، ولدينا برنامج ترجمة نحرص ونهتم من خلاله باللغة العربية وترجمة الكتب".
لماذا "العربية تجمعنا"؟
ويقول الباحث أحمد الرهبان إنّ "معرض الكتاب يعدّ نقطة التقاء الجالية العربية المقيمة في تركيا بالأتراك المهتمين بالكتاب العربي، إضافة إلى الجاليات العربية الموجودة في المهجر، كالعرب في أوروبا، الذين يأتون للاطلاع على أحدث الإصدارات باللغة العربية".
وحول اختيار شعار المعرض لهذا العام، يقول الرهبان، المختص في تعليم اللغة العربيّة لغير الناطقين بها، إن اللغة العربية كانت اللغة الرسميّة داخل الدولة العثمانية على مدار قرون، وهي لغة القرآن الكريم ولغة الأتراك في عباداتهم، ولذلك تجمع العرب والأتراك معاً.
ويضيف لـTRT عربي، أن تحليل البيانات خلال العشر سنوات الأخيرة يُظهر أن توجه الأتراك لتعلّم اللغة العربية أصبح لأغراض تجارية وسياسية وثقافية، بعد أن كان لأغراض دينية، كما أن العربية حاضرة في لغة الأتراك اليومية، إذ تفوق الكلمات المشتركة بين اللغتين 6 آلاف مفردة.
حركة ترجمة باتجاهين
وتبرز أهمية المعرض، حسب الرهبان، من خلال النقلة الثقافية الحاصلة بسبب التقاء دور النشر التركية والعربية الموجودة في تركيا ودور النشر المشهورة التي لها وكلاء داخل الأراضي التركية.
كما تبرز أهميته أيضاً من خلال بيع حقوق الملكية من العربية إلى التركية واللغات الأخرى، وتوقيع اتفاقيات ترجمة الكتب من العربية إلى التركية والعكس، ما ينتج عنه تقريب المسافات بين الشعبين على اختلاف لغتيْهما.
ويوضح الباحث أنه قبل التحولات الحاصلة في السنوات الأخيرة في البلاد العربية، كانت حركة الترجمة باتجاه واحد من التركية إلى العربية، وكانت الترجمة من العربية إلى التركية قليلة وتتعلَّق ببعض الكتب التراثية.
ويضيف أنه قبل 6 سنوات تقريباً أصبحت الحاجة ملحّة إلى العمل المشترك ووضع بعض الكتب المهمة بين يدي القراء العرب والأتراك، ونتج عن ذلك حركة ترجمة في الاتجاهين، دعمتها وزارة الثقافة التركية من خلال إنشاء وكالات ترجمة.
هذا المجهود ممتدّ إلى أصناف شتى من الكتب، وعلى هامش فعاليات المعرض، عقد الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال جلسة حوارية مع جمعية ناشري كتاب الطفل الأتراك، وجرت مناقشة تبادل حقوق النشر وتطوير عملية تبادل الحقوق والترجمة بين التركية والعربية في قطاع الكتب، الذي يسهم بدوره في تقديم محتوى تعليمي وتربوي مميّز للأجيال القادمة.
زوار يجدون متعة ومنفعة
هذا العام، زار الشاب عمر بركات المعرض، الذي تتزامن فعالياته مع كارثة الإبادة الجماعية التي تجري بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، لشراء بعض الكتب المتعلقة بالقضية الفلسطينية والرموز المعبّرة عنها، مثل الكوفية التي يوفرها بعض الجهات المشاركة في الحدث.
وعن أهمية تنظيمه في إسطنبول، يقول بركات لـTRT عربي إن وجود معرض للكتاب العربي في إسطنبول مهمّ لتأمين الكتب والمصادر العربية للطلاب العرب الذين يأتون إلى تركيا بهدف الدراسة ويحتاجون إلى بعض الكتب.
ويتضمن البرنامج الثقافي للمعرض عديداً من المحاضرات بعناوين مختلفة حول القضية الفلسطينيّة، بهدف تسليط الضوء على الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
من جهتها، تقول الطالبة رحاب إمداد إن "المعرض منظم، وتعامُل القائمين عليه رائع، وحضور الكتَّاب العرب وتوسع الثقافة العربية في دولة غير عربية يُشعرني بالفخر".
زارت إمداد المعرض لاقتناء الكتب، وتبيّن لـTRT عربي، أن أكثر ما لفت انتباهها هو كتب الأطفال، إذ لم تكن تتوقع هذا الكمّ من الابتكارات الجديدة في مجال صناعة الكتاب، كالكتب المقاوِمة للبَلَل، التي تتغير ألوانها إذا ما انسكب عليها سائل معين.
وتُثني الطالبة على دعم الحكومة التركية المعرض، ما يسهم، وفق حديثها، "في دعم الثقافة العربية، ويعزز روابط التواصل بين المجتمعين العربي والتركي، من خلال تبادل المعرفة والتشجيع على احترام التنوع الثقافي وتعزيز التفاعل الاجتماعي".
بدورها تتمنّى المترجمة المحلّفة في المحاكم والدوائر الرسمية التركية، منيرة حلاوة، وهي تركية الأصل، أن ترى مشاركة أكبر من الأتراك المهتمين باللغة العربية في معرض الكتاب الدولي، لزيادة الاندماج بين العرب والأتراك.
وتقول حلاوة لـTRT عربي، إنها كانت تتابع المعرض سنويّاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه هي زيارتها الأولى إليه هذا العام.
وتشير إلى أن وجود عديد من الكتب المتعلقة بالعلوم الشرعية واللغة العربية جعلها تستذكر سنوات دراستها في سوريا وترغب في اقتناء الكتب التي درستها هناك من جديد.
وتضيف حلاوة أنها كانت تزور المعارض في سوريا، ويسرُّها اليوم اهتمام الأتراك بوجود الكتاب العربي واللغة العربية في تركيا.