وإثر تلك المجزرة، طالب نواب ديمقراطيون في الولايات المتحدة بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل، إذ دعوا الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى تنفيذ ما قاله بشأن حجب المساعدات عن إسرائيل بعد الضربة العسكرية فى رفح، التى تسببت خلال ساعات فى استشهاد عشرات المدنيين وإصابة مئات فى المدينة الواقعة جنوب القطاع.
وفي أوروبا رفع عدد من النواب العلم الفلسطيني في أثناء الجلسات البرلمانية، موجهين انتقاداً حاداً لحكوماتهم، بسبب دعمها ما ترتكبه إسرائيل من مجازر في حق الشعب الفلسطيني.
ضغوطات على حكومة بايدن
وصف المشرعون الديمقراطيون تصرفات إسرائيل بأنها "كريهة" وتنتهك تحذير الرئيس بايدن، وواجه الرئيس الأمريكي دعوات من بعض رفاقه في الحزب الديمقراطي لوقف الدعم العسكري إلى إسرائيل بعد ما حدث في رفح، إذ قال الرئيس الأمريكي الشهر الماضي في مقابلة مع شبكة CNN: "أوضحت للإسرائيليين أنهم لن يذهبوا إلى رفح، وإذا حدث ذلك فلن أزوّدهم بالأسلحة".
وقالت ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، وهي عضو بارز عن الحزب الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي، إن ما حدث في رفح "عمل فظيع لا يمكن الدفاع عنه"، وأضافت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي الاثنين الماضي "تأخر جداً الرئيس في الوفاء بكلمته وتعليق المساعدات العسكرية".
بدورها كتبت النائبة أيانا بريسلي في منشور لها على وسائل التواصل الاجتماعي غداة يوم مجزرة رفح الماضي "خرجت صور مروعة ومؤلمة من رفح الليلة الماضية"، متسائلة: "إلى متى ستقف الولايات المتحدة متفرجة فيما يذبح الجيش الإسرائيلي الأطفال الفلسطينيين ويشوههم؟".
من جانبها وصفت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "مهووس بالإبادة الجماعية"، وفى منشور على منصة إكس كتبت النائبة الفلسطينية الأصل عما حدث في رفح: "كان هذا مقصوداً. لا يمكنك أن تقتل عن طريق الخطأ أعداداً هائلة من الأطفال وأسرهم مراراً وتكراراً ثم تقول: كان خطأً".
كما انتقدت طليب دعم بايدن لإسرائيل طوال الحرب في منشورها، وقالت في كلمة لها أمام مؤتمر" الشعب من أجل فلسطين" في ديترويت: الفلسطينيين سيجعلون إدارة الرئيس جو بايدن والمشرعين في الكونغرس يدفعون ثمن دعمهم لإسرائيل في موسم الانتخابات المقبلة.
بدورها دعت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن إلى وقف هذه الحرب "نحن بحاجة إلى وقف فورى لإطلاق النار، القصف الإسرائيلى لمخيم لاجئين داخل المنطقة الآمنة أمر مروع"
ووصف النائب الديمقراطي جيم ماكغفرن، فى منشور على إكس ما حدث في رفح، بأنه انتهاك شائن وغير مبرر للقانون الإنسانى الدولى ودعا مرة أخرى جميع الأطراف إلى وقف فورى لإطلاق النار لحماية أرواح المدنيين الأبرياء.
وحسب موقع أكسيوس الإخباري رجح مسؤول أمريكي أن يزيد حادث رفح الضغط السياسي على بايدن لتغيير سياسته تجاه الحرب في غزة.
من ناحيته أعرب السفير الأمريكي السابق والأستاذ في جامعة جورج واشنطن، غوردن غراي لوكالة فرانس برس، عن اعتقاده أن دعم بايدن المتواصل منذ عقود لإسرائيل يشير إلى استبعاد تبدّل موقفه، واصفاً الرئيس الأمريكي الحالي بأنه "سياسي نادر من نوعه يتصرّف على أساس قناعاته الحقيقية لا من أجل مصلحته الانتخابية".
علم فلسطين يرفرف في برلمانات أوروبا
وبالتزامن مع اعتراف 3 دول أوروبية (إسبانيا وإيرلندا والنرويج) رسمياً بدولة فلسطين، شهدت أوروبا الثلاثاء حراكاً داخل أروقة برلماناتها، ورفع النائب الفرنسي سيباستيان دولغو العلم الفلسطيني في البرلمان، موجهاً سؤال إلى الحكومة الفرنسية بشأن الوضع في قطاع غزة.
وأدانت رئيسة الجمعية يائيل برون بيفيه النائبة عن المعسكر الرئاسي، ما وصفته بأنه سلوك "غير مقبول"، وأدى ذلك إلى تعليق جلسة الجمعية الوطنية، واستبعاد النائب دولغو منها لمدة 15 يوماً.
وفي تصريح لدولغو لشبكة TRT، قال إن هذه الالتفاتة كانت طريقة له لتوضيح القضية مرة أخرى بعد أن أصبحت أمرا عادياً، مشيراً إلى أن الفيديوهات الخاصة بالانتهاكات على وسائل التواصل لم تعد تشاهَد على وسائل الإعلام الكلاسيكية في أوروبا.
وأضاف النائب الفرنسي: "اليوم أنا فخور لأنني اتخذت هذه الخطوة وأصبحت حديث الإعلام الفرنسي والأوروبي ما يسمح لنا بإعادة إبراز القضية ومطالبة ماكرون بالاعتراف بفلسطين ودعوة المحكمة الأوروبية إلى قطع التعاون بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي، وخصوصاً بيع الأسلحة لجيش الابادة الذي نراه يقتل الشعب الفلسطيني"
من ناحية أخرى، انتقدت النائبة الما دي فور صمت فرنسا على ما يحدث، وقالت في كلمة لها داخل جلسة البرلمان "يحزنني أن فرنسا التي تدافع عن حقوق الانسان الان تدافع عن الاقوى". وأضافت موجهة حديثها إلى الرئيس الفرنسي ماكرون أن "رفح هي مرآتنا ويجب قطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، وإن لم تفعل ذلك اسمح لي أن أسألك كيف ستنظر إلى نفسك في المرآة سيدي الرئيس؟"
أما في إيطاليا، وقف عدد من نواب حركة "5 نجوم" المعارضين، رافعين 5 أعلام فلسطينية وعلم السلام في أثناء إلقاء زميلهم في الحركة ريكاردو ريتشياردي خطاباً طالب فيه بالاعتراف بدولة فلسطين.
ووثق مقطع فيديو النائب الإيطالي السابق والمرشح الحالي في الانتخابات الأوروبية عن تحالف الخضر واليسار، ستيفانو أبوزو، وهو يعلق العلم الفلسطيني على شرفة مجلس النواب في ساحة مونتيسيتوريو بالعاصمة الإيطالية روما، هاتفاً: "قفوا إطلاق النار، أطلقوا سراح الرهائن فوراً، كفى مجزرة في غزة بالأسلحة الإيطالية" وذلك بعد أن تسلق نافذة المبنى ومشى على حافته.
أما في أستراليا، دعا اليوم الخميس مئات من موظفي الدولة الحكومة الأسترالية إلى الوقف الفوري لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل التي تشن هجمات على قطاع غزة، إذ أعرب أكثر من 350 موظفاً حكومياً على المستوى المحلي ومستوى الولايات والمستوى الفيدرالي في رسالتهم، عن قلقهم الشديد إزاء الوضع في غزة.
واتهموا حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز بجعل أستراليا "متواطئة في مشروع الإبادة الجماعية والاستعمار وإشراك البلاد بجرائم الحرب"، وذكروا أن"المجازر نُفذت بقطع أُنتجَت في أستراليا وبدعم من جهاز المخابرات الأسترالي".
وأشاروا إلى أن قطعاً من الطائرات الحربية (إف 35) تُنتَج في أستراليا، "وهذه الطائرات تلقي القنابل على المدنيين في قطاع غزة، ونصفهم تقريباً من الأطفال"، ودعوا الحكومة إلى إلغاء جميع الاتفاقيات مع شركات الأسلحة الإسرائيلية.
هل تؤدي تلك الضغوط إلى خطوات حقيقية؟
قالت مجلة "لوبس" الفرنسية إن تردد أوروبا فيما يتصل بالحرب في غزة سوف يعجل بخسارة نفوذها ومصداقيتها ، وبالتالي عليها أن تتغلب على انقساماتها وتدافع عن القانون الدولي، لأن مستقبلها يتحدد اليوم في فلسطين.
وذكر المقال المشترك بين النائب الأوروبي منير ساتوري والكاتب نويل بنشطريت أن مستقبل أوروبا "مربوط بما ستفعله في فلسطين، وأن الاتحاد الأوروبي إذا لم يتمكن من التغلب على الانقسامات فيه ولم يستطع فرض وقف إطلاق النار في غزة على حكومة إسرائيل وإنهاء العنف والاستيطان في الضفة الغربية وأعلن فوراً أنه مع حل الدولتين فسيفقد مصداقيته إلى الأبد".
وفي سياق ما لفت إليه المقال، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الرئيس محمود عباس إلى إجراء إصلاحات حيوية في السلطة الفلسطينية، لتعزيز إمكانية "الاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وحسب بيان الإليزيه،أكد الرئيس الفرنسي التزام بلاده العمل مع شركائها في مجلس الأمن الدولي لضمان وقف إطلاق النار.
ويرى أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية محمد سليمان الزواوي أن معارضة بعض البرلمانيين في الغرب لسلوكيات حكوماتهم بشأن الحرب على غزة هو أمر إيجابي وظاهرة تستوجب النظر والتدعيم.
ويقول في حديثه مع TRT عربي إن مجرد تصاعد تلك الأصوات يعني تقدماً إيجابياً، بالنظر إلى أن بعضاً من تلك المعارضة جاء نتيجة مطالبات وضغوط شعبية والتماسات رسمية قدمت للبرلمانات (كما في الحالة البريطانية) وهذا يعني أن الضغوط من أسفل في الأنظمة السياسية الديمقراطية تؤتي أُكُلها، مستشهداً على ذلك بالنائب جورج غالاوي الذي اعادته حرب غزة إلى البرلمان البريطاني مرة ثانية إلى واجهة الأحداث وإلى ظهوره في البرامج الحوارية ومن ثم فتح المجال أمام زيادة تأثيره.
ويضيف الزواوي أن ذلك الحراك الشعبي يؤدي إلى الضغط على البرلمانات التي تؤدي بدورها إلى الضغط على الحكومات، "كما أنها تفرز اتجاهات رأي عام مغايرة تصعّد من خلالها قيادات جديدة إلى قمة الهرم السياسي".
وثمرة لهذا الحراك الأوروبي، اليوم أعلن رئيس وزراء سلوفينيا روبرت جولوب، اعتراف بلاده بدولة فلسطين، وهي الدولة الأوروبية الرابعة خلال يومين.
وقال جولوب في تصريح عقب اجتماع الحكومة، إنهم قرروا الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة ذات سيادة على حدود العام 1967 وفقاً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي.
وأضاف جولوب: "هذا القرار يحمل رسالة واحدة فقط، وهي طلبنا بوقف الأعمال العدائية (في غزة) والإفراج الفوري عن الرهائن".
وقبلها أعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافها بدولة فلسطين، ما يرفع عدد الدول الأوروبية المعترفة بفلسطين إلى 13 من أصل 27، وعالمياً إلى 148 من أصل 193 دولة بالجمعية العام للأمم المتحدة.
وفي تصريح سابق لوكالة تاس الروسية قال سفير فلسطين لدى روسيا عبد الحفيظ نوفل إن "بلجيكا ولوكسمبورغ والبرتغال ستعترف قريباً بدولة فلسطين".