حقَّق حزب "شين فين" الأيرلندي القومي فوزاً تاريخياً بالانتخابات التشريعية المحلية لأيرلندا الشمالية. (Clodagh Kilcoyne/Reuters)
تابعنا

حقَّق حزب "شين فين" الأيرلندي القومي، الداعي إلى توحيد قسمَي الجزيرة، فوزاً تاريخياً بالانتخابات التشريعية المحلية لأيرلندا الشمالية يوم الخميس، بإحرازه 27 مقعداً. فيما هذه أول مرة منذ مئة عام ينجح فيها الحزب في تَملُّك زمام السلطة في الإقليم، بعد إلحاقه الهزيمة بالحزب "الوحدوي الديمقراطي" الموالي للندن.

وعلَّقت زعيمة "شين فين" ميشيل أونيل على نتائج الانتخابات قائلة: "يمثل اليوم لحظة تغيير مهمة للغاية. إنها لحظة حاسمة في سياستنا ولشعبنا"، يجب أن يكون الآن "نقاش صادق" حول هدف الحزب المتمثل في توحيد الإقليم مع جمهورية أيرلندا.

ولعبت تبعات اتفاق بريكسيت، خصوصاً في نقطة "بروتوكول أيرلندا الشمالية" الذي يضرّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي بذلك الجزء من الجزيرة، الدور الأبرز في انتصار قوميِّي "شين فين". فيما هدّد الوحدويون بعدم المشاركة في السلطة، التي ينصّ عليها اتفاق سلام 1998، ما لم تتراجع لندن عن الاتفاق المذكور.

إرهاصات "بروتوكول أيرلندا الشمالية"

في سنة 1998 قاد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مساعي توقيع اتفاق سلام يُنهِي دوَّامة العنف الطائفي في أيرلندا الشمالية، بموجبه أُقِرَّ تَشارُك السلطة بين الوحدويين الموالين للندن والقوميين الساعين لتوحيد الجزيرة تحت راية دبلن. ووفق ذاك يصير لزاماً على الحكومة الأيرلندية الشمالية أن تتضمن الحزبين.

بيد أن نقاش تشكيل الحكومة في هذه الأثناء يرتطم بجدار صلب، هو رفض الوحدويين استمرار تطبيق "بروتوكول أيرلندا الشمالية" الذي أقره اتفاق بريكسيت لحلّ مشكلة التجارة عبر الحدود البرية بين المملكة والاتحاد الأوروبي.

وبموجب "بروتوكول أيرلندا الشمالية"، يُسمَح للشاحنات بتسليم البضائع بلا فحص لها أو للأوراق عند عبورها الحدود من أيرلندا الشمالية إلى جمهورية أيرلندا، مقابل فرض هذه الفحوص مسبقاً خلال انتقال الشاحنات من بريطانيا نحو أيرلندا الشمالية، الأمر الذي يعتبره الوحدويون إقامةَ حدودٍ بينهم وبين أراضي المملكة، وإضعافاً لمكانة الإقليم داخل امتداده البريطاني.

وتَعهَّد الوحدويون، ممثَّلين في "الحزب الوحدوي الديمقراطي"، بعدم المشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة إذا لم تتراجع الحكومة البريطانية عن "بروتوكول أيرلندا الشمالية"، بما قد يُجهِض هذه المشاورات وعملية الانتخابية ككل، مما دفع وزير العدل البريطاني دوميني راب إلى محاولة تهدئة بوعده أن حكومة المملكة "ستتخد كل ما يلزم" لإجراء تعديلات على البروتوكول المثير للجدل.

وفي تفاعل مع الأحداث دعا الاتحاد الأوروبي الحكومة البريطانية إلى التحلي بـ"الصدق" بشأن البروتوكول، في إشارة إلى عدم إيهام نظرائها الأيرلنديين الشماليين بقدرتها على رفع سقف التعديلات. وقال الاتحاد في بيان: "نحتاج من حكومة المملكة المتحدة إلى تخفيف حدة الخطاب، والتحلِّي بالصدق بشأن الصفقة التي وقّعَتها والموافقة على إيجاد حلول في إطارها (...)، وقد أظهر الاتحاد الأوروبي بالفعل كثيراً من المرونة من خلال اقتراح حلول مؤثّرة ودائمة، ونحن مستعدون لمواصلة المناقشات".

في المقابل، يصبّ هذا البروتوكول في صالح قوميِّي "شين فين" ومشروعهم لتوحيد الجزيرة، أولاً بعزله اقتصادياً الإقليم عن المملكة وتقريبه من الجمهورية، وثانياً بنيله من شعبية أبرز خصومهم السياسيين "الحزب الوحدوي الديمقراطي".

تهديدات بعودة العنف

ومثّل "بروتوكول أيرلندا الشمالية" الخلفية الرئيسية لعدد من الأزمات التي تهز إقليم أيرلندا الشمالية منذ وقّعته حكومة لندن، على رأسها أعمال العنف التي عرفها عدد من مدن الإقليم في أبريل/نيسان 2021، حيث اندلعت صدامات بين شباب الأحياء الوحدوية البروتستانت والأحياء القومية الكاثوليك، تَخلَّلها تراشق بالحجارة والزجاجات الحارقة.

وحسب تصريحات المحلل والكاتب الأيرلندي الشمالي بادريغ أوميتشل لـTRT عربي، فـ"لا يمكن إنكار أن كل ما يقع من أعمال عنف في السنوات اللاحقة لبريكسيت هو نتيجة لمسار الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، لكن في ارتباطه بتكتيكات الحزب الديمقراطي الوحدوي، وسؤال حفاظه على مركزه كأكبر أحزب الشمال".

يضيف بادريغ موضحاً: "إلى حدود مطلع 2021 كان الوحدويون يحتفون بالانفصال عن أوروبا، ويُلِحُّون على أنها (خطوة إيجابية) تخدم مصالحهم"، لكن "هذا الأمر تغيَّر فجأة بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي السخط الشعبي على هذا القرار"، مما دفعهم "إلى تغيير موقفهم جذرياً والانقلاب إلى معاداة الاتفاق والبروتوكول المتضمَّن فيه".

خطوة كهذه سرعان ما لعبت على الوتر الطائفي، حسب المتحدث، "ما يفسر ذلك أن مواجهات أبريل، على سبيل المثال، شملت نقاطاً حساسة على طول (جدار السلام) الذي يقسم بلفاست، وبالضبط على مستوى الأحياء التي طُردت منها عائلات كاثوليكية سنة 1969 لاستغلال تلك المنازل كتحصينات عسكريَّة للجيش البريطاني".

TRT عربي
الأكثر تداولاً