زينب مصري
في 6 فبراير/شباط 2023 هزّ جنوبي تركيا زلزال بشدة 7.7 درجة على مقياس ريختر ومركزه منطقة بازارجيك في ولاية كهرمان مرعش الساعة 4:17 فجراً.
أعقبه بعد 9 ساعات زلزال آخر مركزه منطقة إلبيستان في نفس الولاية بشدة 7.6 درجة، راح ضحيتهما أكثر من 50 ألف شخص، وتسببا بإصابة أكثر من 107 آلاف آخرين.
خلّف الزلزالان اللذان تبعهما آلاف الهزات الارتدادية العنيفة دماراً فورياً في البنى التحتية، وتركا آثاراً كارثية في 11 ولاية و62 منطقة و10 آلاف و190 قرية تابعة لهذه الولايات جنوبي البلاد.
منذ اللحظات الأولى للزلزالين المدمرين اللذين وقعا في ظروف فصل الشتاء القاسية، حشدت السلطات التركية كل الوسائل للاستجابة للآثار الكارثية التي خلفاها، وحوّلت جميع الوزارات والمؤسسات والمنظمات جهودها ووجهت قدرات الإنقاذ والإغاثة لديها إلى منطقة الزلزال.
ساهمت المؤسسات الرسمية والجمعيات الإغاثية التركية بتلبية احتياجات المواطنين حينها من الطعام والشراب وتأمين الخيام اللازمة للمأوى وإنشاء المخيمات المؤقتة إلى جانب عمليات انتشال الضحايا وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض.
ترميم على جميع الأصعدة
وبعد إعلان انتهاء عمليات انتشال الضحايا وإنقاذ المصابين بدأت تتوضح معالم المناطق المدمرة لتبدأ مرحلة إزالة الأنقاض تمهيداً لبدء عملية إعادة الإعمار وبناء الوحدات السكنية للمواطنين الذين دُمّرت منازلهم بفعل الزلزال.
ورغم عدم انتهاء مرحلة رفع الأنقاض بشكل كامل وإزالة المباني المدمرة، فإن عمليات بناء الوحدات والقرى السكنية تستمر على وتيرة عالية لتلبية احتياجات المأوى للمواطنين الذين دُمّرت منازلهم أو تضررت بشدة في الزلزال، بإشراف وزارة البيئة والتحضر والتغير المناخي التركية.
وبينما انتهت عمليات بناء بعض القرى السكنية ووصلت إلى مرحلة التسليم إلى متضرري الزلزال في مناطق إلبيستان في كهرمان مرعش وإصلاحية في غازي عنتاب، تستمر عمليات البناء بسرعة عالية في المناطق الأخرى، حسب البيانات الرسمية لمؤسسة توكي التابعة لوزارة البيئة والتحضر.
وفي ولاية هاتاي وحدها، إحدى أكثر الولايات التي شهدت دماراً جراء الزلزال، تواصل الحكومة التركية حالياً بناء أكثر من 40 ألفاً و400 مسكن، بينها 32 ألفاً و600 شقة سكنية، و7 آلاف و800 منزل ريفي.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتسليم المنازل التي بُنيت لتعويض المتضررين من الزلزال خلال الأشهر المقبلة.
وقال أردوغان: "نحن نعمل بسرعة على تضميد جراح زلازل كهرمان مرعش، التي كانت كارثة القرن، وكما وعدناكم، سنبدأ في تسليم منازل الزلازل لأصحابها خلال الأشهر المقبلة".
وتحدث الرئيس التركي عن خطة لاستكمال بناء 850 ألف وحدة مستقلة في مناطق الزلزال، مكونة من 680 ألف مسكن و170 ألف منطقة تجارية، 319 ألفاً منها خلال العام الأول من الزلزال.
إعادة الإعمار حاضرة في خطط 2024
وتهدف السلطات التركية إلى ترميم المدن التي تضررت بشدة من الزلزال، ليس فقط على صعيد البناء وإنما على صعيد الحياة التجارية والاقتصادية والاجتماعية، وفقاً للرئيس أردوغان.
وأكد الرئيس التركي في تصريحات له خلال سبتمبر/أيلول الماضي أن الحكومة خصصت كل الموارد في العام الأول للبرنامج من أجل إعادة إعمار وإحياء مناطق الزلزال، لافتاً إلى أنها ستخصص تريليون ليرة تركية من أجل منطقة الزلزال عام 2024.
وأوضح أن مع نهاية فترة البرنامج سيكون قد جرى استخدام نحو 3 تريليونات ليرة موارد من أجل مناطق الزلزال.
وستعمل الحكومة التركية على تقديم تسهيلات مصرفية متعلقة بالقروض لمتضرري الزلزال من أجل بناء منازلهم بأنفسهم إنْ رغبوا في ذلك، إلى جانب إعفائهم من ضرائب ورسوم تتعلق ببناء المنازل.
من جهتها دعمت مؤسسة التأمين ضد الكوارث الطبيعية (DASK) بما مجموعه 34 ملياراً و440 مليوناً و530 ألفاً و375 ليرة مقابل 468 ألفاً و444 ملف أضرار، بسبب الدمار الذي خلفه زلزالا السادس من فبراير/شباط.
ويشكل هذا الرقم نحو 96% من مجموع ما دفعته المؤسسة منذ تأسيسها وحتى تاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني، بسبب الدمار الهائل الذي سببته الزلازل، وفق تقرير لوكالة الأناضول.
تركيا قلب واحد
لم يقف الأتراك مكتوفي الأيدي بعد مشاهدة ما حل بأبناء بلدهم في الولايات الجنوبية التي ضربها الزلزال، وأطلقوا حملة تضامنية تحت اسم "تركيا قلب واحد" بعد أيام قليلة من الكارثة، شارك فيها مسؤولون وجهات رسمية بالإضافة إلى أبناء الشعب التركي من أطيافه المختلفة.
نجحت الحملة في جمع 115.1 مليار ليرة تركية، ما يعادل نحو 6 مليارات دولار حينها مساعدة للناجين من الزلزال، خلال برنامج تليفزيوني استمر 7 ساعات متواصلة بثته مئات القنوات التليفزيونية والإذاعية في تركيا.
وكان البنك المركزي التركي أخذ زمام المبادرة وتبرع بـ30 مليار ليرة تركية، ما يعادل ربع مجموع التبرعات تقريباً، لتتبعه البنوك العامة ليتبرع بنك الزراعات التركي بـ20 مليار ليرة، وبنك الوقف بـ12 مليار ليرة، وبنك الشعب بـ7 مليارات ليرة تركية.
وتشمل الجهات المانحة الرئيسية الأخرى شركتَي الاتصالات التركية توركسيل وتورك تيليكوم بمبلغ 3.5 مليار ليرة ومليارَي ليرة على التوالي، وتبرعت شركة تأمينات تركيا بمليارَي ليرة، كما تبرعت الخطوط الجوية التركية وبورصة إسطنبول بمليارَي ليرة لكل منهما.
وأعلن بنك إيش تبرعه بمبلغ مليار ليرة، إضافةً إلى مبلغ 1.75 مليار ليرة لإعادة الإعمار، حسب بيان لرئاسة الاتصالات التركية.
وأعلنت الحكومة التركية عن حزمة واسعة من الدعم لتخفيف الأعباء المالية عن منكوبي الزلزال، كإعفاء المتضررين عن أقساط البنوك لمدة 6 أشهر، بالإضافة إلى منح أصحاب المنازل المتضررة والمستأجرين تعويضات مالية شهرية.
قروض ومساعدات لإعادة الإعمار
وكانت تركيا والبنك الدولي وقَّعا اتفاقاً يقضي بتقديم الأخير قرضاً بقيمة 910.5 مليون يورو (مليار دولار) يبلغ أجله 18 عاماً، منها فترة سماح مدتها 5 سنوات.
وسيجري استخدام القرض في إطار "مشروع إعادة التأهيل والإعمار بعد الزلزال في تركيا"، واستخدامه أيضاً في مشاريع وزارة البيئة والتطوير العمراني، ووزارة الصحة، ومصرف ilbank.
وكان أعضاء مجلس الاتحاد الأوروبي قرروا التصديق على مساعدة بقيمة 400 مليون يورو لتركيا بهدف دعمها في معالجة تبعات كارثة الزلزال.
