تبقى هناك تحديات على الحكومة تتطلب مزيداً من العمل لتلبية تطلعات سكان الإقليم، بعد عقود من الحرب والتهميش، ما جعل حكومة بانجسامورو تطلب مد الفترة الانتقالية ثلاث سنوات إضافية.
وخلال الاحتفال الذي أقيم الخميس في "كوتاباتو" عاصمة الإقليم، قال رئيس حكومة بانجسامورو الحاج مراد إبراهيم: "إن 21 يناير (كانون الثاني) سيُذكر على الدوام باعتباره تاريخ التزامنا بالسعي لتحقيق السلام الدائم وتنمية وطننا، وهو اليوم الرسمي لمؤسسة "بانجسامورو" نحتفل فيه لإحياء ذكرى انتصاراتنا المتواضعة كشعب، ونتذكر أولئك الذين ضحوا من أجل قضيتنا، ونتطلع إلى مستقبل أفضل".
وبمناسبة الذكرى الثانية تضمن تقرير الحكومة العمل على سن التشريعات العاجلة وإطلاق برنامج إعادة إعمار مدينة "مراوي"، وتوفير الإمدادات الطبية اللازمة لمواجهة كورونا وتخصيص نصف مليار بيسو لشراء اللقاح، موضحاً أن بنجاسامورو جاءت بالمرتبة الثانية بمناطق مينداناو في إجمالي الناتج المحلي، إلى جانب استثمارات بقيمة 4 مليارات بيسو.
ومن المقرر أن تسلم "جبهة تحرير مورو الإسلامية" التي تقود الحكومة أسلحتها تدريجياً، بالتزامن مع إنجاز خطوات اتفاق الحكم الذاتي، ومن ثم تتحول إلى كيان سياسي يخضع لقانون الأحزاب.
تمديد الفترة الانتقالية
في مقابلة مع قناة "trt عربي" قال رئيس حكومة بانجسامورو: "نحن ماضون في إنجاز متطلبات المرحلة الانتقالية، أنجزنا بعض الخطوات مثل توسيع الخدمات الصحية والمجتمعية لتشمل مجتمع بانجسامورو بكامله، وهناك تحسن تدريجي ملحوظ في عملية الإدارة، حتى تكون هناك حكومة مستقرة"، موضحاً أن هناك تعاوناً بين الحكومة المركزية في مانيلا وسلطة بانجسامورو في عدة مجالات مثل التعليم.
وأضاف إبراهيم أن هناك تحديات كثيرة تواجه كيان بانجسامورو منها "البيروقراطية"، وكشف أن حكومته تقدمت للكونغرس الفلبيني وللرئيس رودريغو دوتيرتي بمد الفترة الانتقالية لثلاث سنوات إضافية، لتنتهي في 2025 بدلاً من يونيو/حزيران 2022 حسب ما هو مقرر، فالتحديات تحول دون تحقيق كل الخطوات المطلوب إنجازها خلال الفترة الانتقالية المحددة سلفاً، وتأمل الحكومة من الكونغرس تلبية طلبها مدَّ الفترة الانتقالية.
وأشار إلى أن حكومته تمضي في مسارين بالتوازي في مواجهة تحدي التطرف، بتشديد القبضة الأمنية لحفظ الأمن بمنطقة بانجسامورو، إلى جانب فتح قنوات للحوار مع المتطرفين، وهم مجموعتان إحداهما انخرطت بالفعل في الحوار تمهيداً للانخراط في المجتمع ونبذ العنف، أما الأخرى فهي أكثر راديكالية بحكم ارتباطها بتنظيم "داعش" وتضم عناصر أجنبية ضمن صفوفها، لكنه أكد في الوقت نفسه أن هناك تقليصاً ملحوظاً للعنف بالمنطقة بعد قيام الحكومة بمهامها.
دعم تركي متواصل
وأكد رئيس الوزراء لـ"trt عربي" أن الدور التركي تجاه حكومة بانجسامورو ومسلميها مستمر، إذ إن أنقرة كانت دوماً مع عملية السلام، كما أن كثيراً من المؤسسات المعنية بعملية السلام يرأسها ممثلون عن الحكومة التركية، منها "فريق المراقبة من الطرف الثالث" وهي واحدة من أهم الهياكل المعنية بالتأكد من أن كل الاتفاقات الخاصة بعملية السلام جنوب الفلبين يتم تنفيذها، وأيضاً ترأس تركيا الهيئة المستقلة المعنية بالتعامل مع محاربي الجبهة، وتقوم تدريجياً بتدريبهم واستيعابهم ضمن الشرطة المحلية في بانجسامورو، بالإضافة إلى أن أنقرة ضمن أربعة مكونات لقوات حفظ السلام.
يشار إلى أن المنظمات التركية مثل "هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH" تنشط بشكل ملحوظ في جنوب الفلبين لمساعدة مسلمي مورو على النهوض بمجتمعهم، إلى جانب الدعم التركي في مجال الزراعة واستصلاح الأراضي في منطقة بانجسامورو، من خلال تدريب المزارعين وتوفير دورات تدريبية في مجالات إنتاج الحبوب والألبان وتربية الحيوانات.
وفي تصريحات خاصة لـ"trt عربي" تحدث عبد الوهاب كويلان، مندوب جبهة تحرير مورو الإسلامية، وممثل رئيس حكومة بانجسامورو لدى القاهرة، عن بعض ما أنجزته حكومة بانجسامورو، مثل تثبيت نحو 3 آلاف عامل، إلى جانب توزيع مبالغ مالية كرأس مال للبدء في مشروعات صغيرة لنحو 4 آلاف أسرة، وتوزيع مواد غذائية كل ثلاثة أشهر لنحو مئة ألف أسرة، والعمل على توفير احتياجات صغار المزارعين من آلات وحبوب، وتوفير احتياجات مزارع الأسماك، وفي مجال الصحة تم بناء عدة مستشفيات، إلى جانب تخصيص ميزانية أكبر للتعليم وهناك مساعٍ لجعل التعليم من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية مجانياً، خاصة أن نحو 55% من شعب مورو يعانون من الأمية بسبب توقف العملية التعليمية خلال سنوات الحرب، لكن الإنجاز الأكبر هو التعايش المشترك بين مكونات منطقة بانجسامورو.
أما هشام ناندو، مدير أكاديمية بانجسامورو للتنمية، وهي تابعة لمكتب رئيس الحكومة وتعنى بتقديم برامج تدريبية لمسؤولي منطقة بانجسامورو، فيقول لـ"trt عربي": "إن الحكومة عملت على تأهيل الجهاز البيروقراطي لمنطقة بانجسامورو بهدف رفع كفاءة العاملين وتعزيز إنتاجية المؤسسات ومعالجة التحديات التي تعوق تقديم الخدمات الحكومية بشكل أفضل، لإيجاد جهاز بيروقراطي يخدم المواطنين ويقدم الخدمة اللائقة لهم".
وكلمة "بانجسامورو" تعني شعب مورو الذي يضم قوميات مسلمة عديدة تسكن جزيرة مينداناو والجزر الصغيرة القريبة منها، ويمثلون ما بين 11 و12% من إجمالي سكان الفلبين البالغ نحو 106 ملايين نسمة، وكانوا يعيشون كدولة مستقلة حتى منتصف القرن العشرين، عندما ألحقهم الاحتلال الأمريكي عنوة بالفلبين ليبدأ مسلسل المعاناة من التهميش وتغييب التنمية فضلاً عن الاستهداف بالقوة.
كان الكونغرس الفلبيني أقر قانون بانجسامورو في 18 يوليو/تموز 2018، وأقيم الاستفتاء على "الحكم الذاتي الموسع" على جولتين أولاهما في 21 يناير/كانون الثاني 2019 وشملت المناطق التي كانت واقعة ضمن نطاق الحكم الذاتي السابق في مينداناو، وهي "ماجنداناو، لاناو الجنوبية، سولو، باسيلان، طاوي طاوي، ومدينة كوتاباتو، إيزابيلا، ومراوي، ولميتان"، والثانية في 6 فبراير/شباط بمناطق الجنوب المجاورة لنطاق الحكم الذاتي السابق، وهي ذات أغلبية مسلمة كانت تخضع إدارياً لأقاليم أخرى مجاورة زاد عدد المسيحيين فيها بسبب الهجرة من الشمال، ومنها ست بلديات في محافظة "لاناو الشمالية، ونحو 80 قرية أخرى. وجاءت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على قيام الحكم الذاتي الجديد لبانجسامورو، وأدت الحكومة الحالية برئاسة الحاج مراد إبراهيم اليمين أمام الرئيس الفلبيني في 22 فبراير/شباط 2019، كحكومة تقودها "جبهة تحرير مورو الإسلامية" لفترة انتقالية تمتد 3 سنوات وتنتهي في يونيو/حزيران 2022.
وخرج الحكم الذاتي الجديد إلى النور بعد نحو 42 عاماً من أول اتفاق سلام جرى توقيعه في 23 ديسمبر/كانون الأول 1976م بين مانيلا وجبهة تحرير مورو الوطنية، وأقيم بموجبه حكم ذاتي بإقليم منداناو عام 1990، لكن تقلصت المساحة المخصصة لهذا الحكم إلى نحو 30% من مساحة منداناو.
وسبق أن تم توقيع الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو بين جبهة تحرير مورو الإسلامية ومانيلا في أكتوبر/تشرين الأول 2012، تبعه الاتفاق الشامل في 27 مارس/آذار 2014، تمهيداً لإقامة "كيان بانجسامورو السياسي" الجديد، على أنقاض الحكم الذاتي السابق لإقليم منداناو.
يشار إلى أن "جبهة مورو الوطنية" أسسها مجموعة من الطلاب عام 1962، لصد انتهاكات حكومات مانيلا ضد مسلمي مورو، وبعد اتفاق 1976 بعامين انسحب الشيخ سلامات هاشم (نائب رئيس جبهة مورو الوطنية) آنذاك، إذ رأى أن الاتفاق لا يكفل حقوق المسلمين، وأسس مع آخرين جبهة تحرير مورو الإسلامية، التي دخلت في مواجهات جديدة مع الحكومة الفلبينية، إلى أن بدأت المفاوضات بينهما عام 1997، وتوجت بالاتفاق الإطاري في أكتوبر/تشرين الأول 2012.
ووفق قانون بانجسامورو هناك برلمان من 80 عضواً نصفهم من ممثلي الأحزاب، و40% من ممثلي البلديات، و10% من ممثلي القوميات غير الموروية والسكان غير المسلمين، ويمنح القانون 75% من إيرادات المنطقة لشعب مورو، والبقية للحكومة المركزية، إضافة إلى تخصيص 5% من إيرادات الحكومة المركزية للحكم الذاتي الجديد، وموازنة تنموية أخرى بقيمة 5 مليارات بيسو فلبيني سنوياً لعشر سنوات، مع بقاء موارد الطاقة المتجددة والطاقة الكهربائية المولدة مائياً تحت إدارة مشتركة.