تسبَّب الدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة في إذكاء نار العنصرية من جديد تجاه المسلمين، لا سيّما الفلسطينيين والعرب منهم في الدول الغربية.
ومنذ إطلاق حركة حماس عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول بدأت إسرائيل تنفيذ عمليات قصف عنيفة ضد المدنيين، وحشدت من أجل ذلك كل الدعم الأمريكي والأوروبي.
وبدأت إسرائيل عملية السيوف الحديدية بهدف "القضاء على حماس"، لكنها روّجت لروايات عديدة تستهدف الفلسطينيين، مما فاقم العنصرية في الولايات المتحدة وعموم الدول الأوروبية ضد العرب والمسلمين.
تزايد الشكاوى
وقال مجلس العلاقات الإسلامية-الأمريكية كير (CAIR) إنّه تلقى بين 7 و24 أكتوبر/تشرين الأول 774 شكوى تحيز وعنصرية، فيما تلقى المجلس ما مجموعه 63 طلباً في شهر أغسطس/آب بأكمله، مما يدل على زيادة واضحة في الشكاوى.
ويعتقد كير -أكبر منظمة للحقوق المدنية الإسلامية في الولايات المتحدة- أنّ هذا العدد يمثل أكبر موجة من الشكاوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2015، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن نيته منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
كما يعادل الرقم ثلاثة أضعاف متوسط عدد الشكاوى لعام 2022 تقريباً، مقارنةً مع الفترة نفسها، حسب وكالة رويترز. ومع ذلك يقول المجلس إنّ الأرقام من المحتمل أنّها لا تمثل جميع الحالات على مستوى البلاد، معللاً ذلك بأنّ "غالباً ما يخشى الأشخاص المستهدفون بالكراهية والتمييز من الإبلاغ عن ردود الفعل العنيفة المحتملة".
ومن الحوادث التي تسبّب بها الخطاب الأمريكي-الأوروبي المناهض للفلسطينيين ما جرى في ولاية إلينوي الأمريكية في 15 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أقدم رجل يبلغ من العمر 71 عاماً على قتل طفل فلسطيني مسلم في السادسة من العمر بعد طعنه 26 طعنة، وأصاب والدته بجروح، على خلفية الكراهية للإسلام (الإسلاموفوبيا).
وأوضح بيان صادر عن مكتب عمدة مقاطعة ويل أنّ دوافع الجاني جوزيف إم. تشوبا لجريمته هي "الهوية الإسلامية للطفل وأمه، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية "جريمة العنصرية والكراهية البشعة التي ارتكبها عنصريّ حاقد"، مستنكرةً حملات التحريض والاعتداءات والمواقف والتصريحات العنصرية والاستفزازية التي وقعت ضدّ مواطنين فلسطينيين، وعدد من سفراء دولة فلسطين وسفاراتها في بعض الدول.
وقالت الخارجية إنّها "تنظر بخطورة بالغة إلى نتائج هذه الحملات وتداعياتها وأهدافها الرامية إلى تشويه صورة الفلسطيني وقضيته العادلة"، مطالبةً الدول كافة "بمواجهتها ومعاقبة مروّجيها ومن يقف خلفهم".
تهديدات واعتداءات
وضمن الشكاوى التي وردت إلى مجلس العلاقات الإسلامية-الأمريكية ووثقها في تقريره المشار إليه سابقاً، أنّ رجلاً هدد بإطلاق النار على اثنين آخرين مسلمين في إلينوي.
وبيّن التقرير أنّ مسلحاً أطلق النار على منزل عائلة فلسطينية في ولاية كولورادو الأمريكية، فيما أُلقي القبض على عضو في مجلس نيويورك لحمله مسدساً في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في المدينة المذكورة.
ووثّقت المنظمة حالات عدّة لاستخدام المركبات أسلحةً تستهدف المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، في إشارة إلى محاولات تنفيذ عمليات دهس للمظاهرات الداعمة لغزة.
وحسب ما ورد في التقرير ذاته فإنّ رجلاً قاد شاحنته ولوّح بالسلاح ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في ولاية مينيسوتا، ويُزعم أنّ سائقاً انحرف نحو المتظاهرين وضرب عدداً منهم، إذ كان أحدهم يقود دراجة هوائية في أوهايو.
لم يقتصر الأمر على الانتهاكات الميدانية، بل امتد إلى تهديد المسلمين المقيمين في أمريكا وأوروبا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوعزت دول غربية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى مراقبة ومحاسبة وطرد الداعمين للفلسطينيين والرافعين للعلم الفلسطيني وسحب إقاماتهم وجنسياتهم.
وضمن ما ورد في تقرير كير، وقعت أكثر من 260 حادثة لأشخاص جرى استهداف "مصادر رزقهم ومهنهم" بسبب التحدث نيابةً عن القضية الفلسطينية.
سلوك خطير
وقال قادة الجماعات الإسلامية والعربية والفلسطينية الأمريكية لشبكة سي إن إن، في الأيام التي تلت هجوم حماس المفاجئ، إنّهم شهدوا زيادة في الهجمات المبلغ عنها ضدّ مجتمعاتهم، بما في ذلك التخريب والتنمر في المدارس وأماكن العمل ومن خلال مكالمات هاتفية تهديدية.
وقالت الناشطة في مجال الحقوق المدنية ليندا صرصور -وهي فلسطينية-أمريكية- للشبكة إنّ لديها عائلة في الضفة الغربية، لكنها تشعر بقلق أكبر بشأن سلامة مجتمعها في الولايات المتحدة.
وأردفت: "أحد الأشياء الأكثر حزناً دائماً بالنسبة إليّ هو عندما يبدأ الناس في تقديم النصائح بعضهم لبعض بشأن عدم الخروج بمفردهم"، مضيفةً أنّ أفراد المجتمع المسلم يطلب بعضهم من بعض أن يكونوا في حالة تأهب ووعي بما يحيط بهم.
وتلفت إلى أنّ "الناس في حالة حداد، الناس خائفون... نحن نعاني كثيراً من الألم، وكثيراً من الخوف وانعدام الأمان".
ونقلت مجلة التايم الأمريكية عن ويندي فيا، المؤسسة المشاركة للمشروع العالمي ضد الكراهية والتطرف، قولها: "عندما يكون لدينا صراع مثل هذا فإنّنا نشهد دائماً ارتفاعاً في الحوادث ضدّ المجتمعات المشاركة في الصراع".
وأكدت أنّ "جرائم الكراهية شهدت ارتفاعاً خارج الولايات المتحدة أيضاً في 13 أكتوبر/تشرين الأول، وأبلغت شرطة العاصمة في لندن عن ارتفاع كبير في الهجمات المعادية للإسلام".
تأجيج العنصرية
وعن أسباب تصاعد هذه الموجة يعلّق الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر ويقول إنّ "دعاية العدوان الحربي على غزة استخدمت بقوة تعبيرات عنصرية واضحة، ووجدت أصداء واسعة جداً في التغطيات الإعلامية بشكل ينزع الصفة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني وضمناً عن العرب والمسلمين".
ويضيف شاكر لـTRT عربي أنّ "إسرائيل تحاول أن تشحن الأجواء باتجاه استقطاب غربي بخلفية ثقافية معينة، مع إيحاءات دينية ظلامية في وصف العالم العربي والإسلامي والقضية الفلسطينية".
وللوصول إلى أهدافهم تطرَّق قادة الاحتلال إلى استخدام نبرة مختلفة عبر تشبيه حماس بتنظيم داعش الإرهابي، ووصفهم الفلسطينيين بأنّهم "حيوانات بشرية"، وهي تصريحات كرّرها كبار المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، حسب شاكر.
ويلفت الكاتب إلى أنّ "إسرائيل حاولت إعطاء انطباع بعدم وجود قيمة لحياة الإنسان الفلسطيني، وأنّه لا حاجة للاكتراث للقتل الوحشي لآلاف الأطفال والأمهات الفلسطينيين، إلى درجة التشكيك بحقيقة أنّهم قد قُتلوا، وهي رواية تبنّاها الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي شكّك في أرقام الشهداء الذين كانت تعلن عنها وزارة الصحة في غزة".
ويؤكد شاكر أنّ هذه النبرة تذكي النزعات العنصرية التي توحي بالتعالي والغطرسة وعدم الاكتراث للآخرين، عبر دعاية وخطاب سياسي وتغطيات إعلامية تهدف إلى منع التفاعل الأوروبي مع فلسطين وتخفيف وطأة جرائم العدوان الإسرائيلي على وعي الجماهير.
ويرى شاكر أنّ القادة الغربيين نجحوا في تأجيج خطابات الإسلاموفوبيا والتطرف، مبيناً أنّ "المجموعات اليمينية المتطرفة والأحزاب المنغلقة ثقافياً والقوى المناهضة للمسلمين في المجتمعات الأوروبية والأمريكية هي في صدارة المتحفزين مع دعاية العدوان والمنحازين لجرائم الحرب الوحشية".
وعن كيفية نجاح إسرائيل في تصعيد العنصرية بعد الحرب على غزة، يوضح شاكر أنّهم قسموا العالم إلى فئتين، "أمم متحضرة وأخرى متوحشة، قوى حضارة وأخرى ظلامية"، مشيراً إلى أنّ قادة الغرب ردّدوا هذه التصريحات التي كرّرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويلفت إلى أنّ هذه السردية ذات الطابع العنصري المتذاكي ستزيد الإسلاموفوبيا عبر إعطاء قيمة أعلى لطرف على آخر، وعبر إهمال حياة الفلسطيني والعربي والمسلم مقارنةً مع الغربي أو الأوكراني أو غيرهما.