تعمل تركيا على توسيع دائرة مشاريعها النووية بعد أسابيع من دخولها نادي دول الطاقة النووية في العالم، عبر محطة "آق قويو" في ولاية مرسين.
وتُعد محطة "آق قويو" أول محطة تركية للطاقة النووية، كما أنّها من بين أكبر الاستثمارات في البلاد. وقد أُقيم حفل تزويد المحطة بأول وقود نووي بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في أبريل 2023.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنّ المحطة اكتسبت هويتها بوصفها منشأة نووية، مؤكداً أنّ جميع وحدات "آق قويو" ستدخل الخدمة تِباعاً حتى عام 2028، وستوفّر المحطة 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء.
ولفت إلى أنّ "المحطة نتاج الاستثمار المشترك الأكبر لنا مع روسيا، وعند دخولها الخدمة بكامل طاقتها الاستيعابية، ستنتج نحو 35 مليار كيلوواط/ساعة من الكهرباء سنوياً".
وأوضح الرئيس التركي أن المحطة تفي بمتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجموعة الاستشارية الدولية للسلامة النووية والاتحاد الأوروبي.
استراتيجية الاكتفاء
في هذا الصدد، يقول المحلل الاقتصادي التركي جلال بكار، إنّ "تركيا اليوم بدأت فعلياً بمواجهة المشكلات العميقة للاقتصاد، وبدأت في استراتيجية الاكتفاء الذاتي فيما يخص الطاقة، من خلال اكتشافات النفط والغاز ومحطات الطاقة النووية".
ويضيف لـTRT عربي، أنّ محطة "آق قويو" تُعد من أهمّ نقاط القوة التركية على مستوى الطاقة، لأسباب عدّة، أهمها "توفير النقد الأجنبي من فاتورة استهلاك الطاقة السنوية لتركيا؛ لأنّ هذه الفاتورة تأخذ من احتياطيات تركيا في النقد الأجنبي بقيمة تصل إلى أكثر من 54 مليار دولار سنوياً".
ومن المتوقَع أن تتحوّل تركيا من خلال مشروع "آق قويو" إلى واحدة من الدول المنتجة للطاقة الكهربائية من الطاقة النووية، حيث ستنقل المحطة الطاقة الكهربائية المنتَجة من الطاقة النووية إلى شبكة الكهرباء العامة لأول مرة في تاريخ تركيا، التي سعت منذ نصف قرن إلى تحقيق هدفها في توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية.
فرص تجارية
وبدأت أنقرة مباحثات مع موسكو وسيول بهدف بناء محطة ثانية للطاقة النووية بولاية سينوب، عقب اكتمال الدراسات اللازمة في الموقع شمال البلاد.
ويقول رئيس دائرة الطاقة النووية والمشروعات الدولية التابعة لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، صالح صاري، إنّ المباحثات الجارية مع كوريا الجنوبية وروسيا لبناء محطة ثانية، ستجذب مجموعة واسعة من المستثمرين.
وفي حديثه مع TRT عربي، يستذكر حديثه خلال افتتاح المعرض الخامس لمحطات الطاقة النووية، والقمة التاسعة لمحطات الطاقة النووية في إسطنبول، مؤكداً أنّ "الخطوة ستوفر فرصاً تجارية ذات قيمة مضافة عالية لصناعة تركيا المحلية".
ويتابع: "نعتقد أنّه يمكن تنفيذ المشاريع بسرعة مع دولة شريكة جديدة، حيث فُحص موقع (سينوب) بشكل كامل وانتهت الدراسات والتوصيفات الصحيحة الّلازمة له".
"سينوب".. أثر إيجابي
في عام 2013، وقّع أردوغان -رئيس الوزراء آنذاك- مع نظيره الياباني شينزو آبي، صفقة تزيد قيمتها على 22 مليار دولار أمريكي من أجل بناء محطة "سينوب" للطاقة النووية.
واتفق الطرفان على أن تتولى شركة "ميتسوبيشي" اليابانية للصناعات الثقيلة، و"آرافا" الفرنسية، أعمال بنائها وتشغيلها، وكان الاتفاق يقضي ببدء أعمال البناء في المشروع عام 2017، ليجري الانتهاء منها وتشغيل أجزاء من المحطة مع حلول عام 2023.
لكنّ اليابان انسحبت من المشروع عام 2018. ورغم انسحاب طوكيو واصلت أنقرة التحضير للمشروع وأخذ الرخص اللازمة وإجراء الفحوصات البيئية المطلوبة. وأُعلن في عام 2021 أنّ أعمال الحفر ستبدأ قريباً، على أن يجري تشغيل المحطة بحلول عام 2031.
وفي فبراير/شباط الماضي، كشفت وكالة أنباء "يونهاب" الكورية الجنوبية، عن أنّ شركة كوريا للطاقة الكهربائية (كيبكو) قدّمت عرضاً بشأن بناء 4 مفاعلات لديها القدرة على توفير 1400 ميغاواط من الكهرباء، بقيمة 32 مليار دولار في مقاطعة سينوب الواقعة على سواحل البحر الأسود شمالي تركيا.
ويرى المحلل الاقتصادي بكار، أنّ المباحثات الجارية مع سيول وموسكو بشأن المحطة الثانية في منطقة البحر الأسود سيكون لها أثر إيجابي أيضاً.
ويلفت إلى أنّ "المحطة الأولى تقع جغرافياً على البحر المتوسط، لكن الثانية ستكون على البحر الأسود، ما يعني أنّ المنطقة الجغرافية ستكون قريبة من روسيا وأوكرانيا".
وهذا يعني وجود وفرة للطاقة من خلال هذه المحطات، وستكون هناك تفاهمات دولية على الطاولة "تضيف مكانة أكبر لموقع تركيا على الصعيدين الإقليمي والدولي"، وفق رأي بكار.
"إينيدا".. محطة ثالثة
وتُجري تركيا مباحثات مع الصين بشأن إنشاء محطة ثالثة للطاقة النووية في منطقة تراقيا شمال غربي البلاد، وفق ما أكّده رئيس دائرة الطاقة النووية والمشروعات الدولية صالح صاري.
وحول أعمال البناء والتشغيل، أكد آلابويون أنّه مذكرة تفاهم وُقِّعت مع شركة (Westinghouse) الصينية ومقرها الولايات المتحدة.
وستُبنى المحطة النووية الثالثة من خلال الاستفادة من التقنيات الأمريكية، إذ ستحتوي المحطة على 4 مفاعلات كما هو الحال في المحطتَين الأخريَين؛ اثنان من نوع (AP1000)، واثنان آخران من طراز (CAP1400).