لا يزال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مستمراً لليوم السابع على التوالي، استهدف به الاحتلال الإسرائيلي البشر والحجر والشجر وحتى الطرقات، وتتبع إسرائيل أسلوباً جديداً في عدوانها على غزة هو العدوان على الأبراج التي تحتوي على منازل سكنية ومؤسسات صحفية وحقوقية.
وقصفت إسرائيل حتى الآن أهم الأبراج التي تقع في مراكز حيوية داخل قطاع غزة، إضافة إلى عشرات المنشآت والمباني السكنية الأخرى، وذلك بهدف بث الرعب في قلوب الناس.
وكما نلاحظ يسعى الاحتلال الإسرائيلي لقصف أكبر عدد من المباني بلا تفريق بين طفل ورجل وسيدة. TRT عربي تجولت بين المنازل والأبراج المدمرة في شوارع قطاع غزة ورصد بعدسته حجم الدمار.
وسيلة ضغط
وحول سياسة إسرائيل بضرب الأبراج السكنية يقول المختص بالشأن الإسرائيلي عاهد فروانة: ”الاحتلال الإسرائيلي استهدف الأبراج في بداية التصعيد الحالي ومبكراً جداً، فبدأ من حيث انتهى بحرب 2014 وذلك وسيلة ضغط على الفصائل الفلسطينية لوقف إطلاق القذائف الصاروخية والضغط على أهل غزة كي يغضبوا من المقاومة ولا يكونوا حاضنة شعبية لها".
ويضيف فروانة لـTRT عربي: "تعمل إسرائيل أيضاً لتطبيق ما يسمى نظرية الضاحية بمعنى استهداف أكبر عدد من المباني في أقل فترة لإحداث الصدمة، وهذا ما شاهدناه خلال الأيام الماضية، إذ قصفت أربعة من أهم الأبراج والعشرات من المباني السكنية داخل غزة".
وأشار فروانة إلى أن إسرائيل تسعى بقصفها الأبراج للضغط الاقتصادي، لما تمثله من مقرات للكثير من الشركات والمؤسسات بخاصة الإعلام الفلسطيني الذي يؤدي دوراً مهماً بفضح الجرائم والممارسات الإسرائيلية، بخاصة أن مقرات معظم وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية بالأبراج.
طمس الحقيقة
وحول ضرب الأبراج بما فيها المؤسسات الصحفية يقول الصحفي سامي أبو سالم: "كنت أرغب في الذهاب إلى برج الجلاء للخروج من هناك على الهواء على إحدى القنوات الدولية ونقل صورة الوضع بغزة؛ تفاجأت بالاستهداف المباشر للمؤسسة الصحفية التي كنت ذاهباً إليها، هذا القصف هدفه إخفاء الحقيقة التي يجب أن يشاهدها العالم".
ويضيف أبو سالم: "تحاول إسرائيل من خلال قصفها الأبراج طمس الحقيقة ومحاولة إخراس الصحافة بخاصة أن العديد من الصحفيين يصعدون أعلى الأبراج من أجل تصوير الأحداث التي تجري من شمال قطاع غزة حتى جنوبه، هو أيضاً ضغط اقتصادي على السكان".
خمسة صواريخ
من جانبه يقول حسام الطباع من سكان برج الجلاء وسط مدينة غزة: "بلمح البصر خرجنا من البرج الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية بأكثر من خمسة صواريخ، أقل من ساعة كان الفاصل بين خروجنا من البرج وقصفه".
ويضيف الطباع: "لا أدري لماذا قُصف البرج، فكل من فيه مدنيون ومؤسسات صحفية وحقوقية، أشعر بالصدمة، لا مأوى لدي، ساعة القصف خرجت مع عائلتي واحتضنت أطفالي بلا وعي".
ويرى المحلل السياسي أكرم عطا الله أن "إسرائيل تعمدت قصف الأبراج ، فالمسألة لم تكن صدفة فمن اليوم الأول والثاني وحتى الآن تُقصف الأبراج كأن ذلك ضغط على المقاومة حتى تعلن وقف عملياتها ضد الاحتلال، وتحويل السكان إلى معارضين للحركة عندما تشعر وجود خسارة جزء من السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وبالتالي يضغط الناس من أجل مصالحهم".
وأشار عطا الله إلى أن "إسرائيل أيضاً تريد تحقيق هدف آخر وهو جعل المقاومة أضعف لشروط التهدئة وما بعد التهدئة والإعمار وما يترتب عليه". وأن "قصف البنايات السكنية مستمر باستمرار العدوان الإسرائيلي، ولن يتوقف هذا إلا بالوصول إلى تهدئة حقيقية بين الطرفين".
تدمير الاقتصاد
ومن جانبه يقول الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب لـTRT عربي: "إن قصف الأبراج سياسة إسرائيلية ممنهجة منذ سنوات لتدمير القطاع الإنشائي والسكاني لغزة الذي يحتوي على مئات الشقق السكنية والخدماتية، مشيراً إلى أن الهدف منها تدمير البنية التحتية من مياه وكهرباء وإنترنت وصرف صحي وطرقات وغيرها، بهدف الضغط الاقتصادي والإنساني على المجتمع الفلسطيني لتحقيق جوانب سياسية وأمنية من الفصائل الفلسطينية.
ولفت أبو جياب إلى أن الاستهداف الحالي للأبراج يعصف بالاقتصاد الفلسطيني ويدمره من خلال عجز بالوحدات السكنية بغزة، فالطلب عليها بعد القصف سيفوق المطلوب وستواجه الجهات الحكومية عجزاً عن توفير وحدات سكنية بديلة ملائمة لمن تدمرت بيوتهم وللأجيال القادمة أيضاً، مضيفاً أن إعادة الإعمار في القطاع منذ 2014 هي عملية بطيئة ومعقدة، فالمئات من المنازل لم تُبنَ بعد، وأُضيفَ إليها المئات من المنازل التي نُسفت خلال التصعيد الحالي.
وأردف أبو جياب بأن استهداف تلك البيوت السكنية ضمن الأبراج التي طالها قصف الاحتلال إضافة إلى مآسي الشعب الفلسطيني للضغط عليه، لافتاً إلى أن تبعات هذه الاعتداءات اقتصادياً ستكون عبارة عن اعتداءات مباشرة على ما يزيد على 25 منشأة صناعية في غزة موزعة على مختلف القطاعات الصناعية بخسائر تجاوزت 7 ملايين دولار وفقد 20 ألف فلسطيني عملهم من خلال قصف تلك المنشآت وتعطُّل الباقي منها، إضافة إلى قصف مئات المحلات التجارية.
ويوضح أبو جياب أن خسائر القطاع الزراعي بلغت ما يقارب 5 ملايين دولار للمزروعات والدواجن والمواشي، فيما قدرت خسائر قطاع الإنترنت بـ3 ملايين دولار، و10 ملايين دولار أخرى لقطاع الطرق والخدمات، وخسائر أخرى بملايين الدولارات لشبكات الضغط العالي ومحولاته، مشيراً إلى أن هذا التصعيد بدأت به إسرائيل بما انتهت به الحرب السابقة للضغط على الشعب الفلسطيني وهذه المعادلة فشلت بسبب مواصلة ردود المقاومة على الاحتلال.