تابعنا
كشف آخر تقرير لوزارة الثقافة الفلسطينية في يناير/كانون الثاني الماضي، استشهاد 41 فناناً وكاتباً وناشطاً ثقافياً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023

تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلية كل من يقف أمام روايتها الكاذبة أو يقاومها فيما يخص حقها التاريخي في أرض فلسطين، في نهج يتسق مع المشروع الإقصائي في الدولة الصهيونية.

ويتضح ذلك مع كل استهداف لصُنّاع الفن المقاوم ورواة السردية الفلسطينية المضادة للسردية الإسرائيلية، وهي بذلك لا تستهدف صنّاع الفن المقاوم فقط، بل تركز على محو ذاكرة الجمهور الذي تتشكل مخيّلته من خلال الدراما والسينما وأشكال الفنون الأخرى.

أعداد متزايدة

وكشف آخر تقرير لوزارة الثقافة الفلسطينية في يناير/كانون الثاني الماضي، استشهاد 41 فناناً وكاتباً وناشطاً ثقافياً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتؤكد بثينة حمدان المتحدثة الإعلامية لوزارة الثقافة الفلسطينية في تصريحها لـTRT عربي أن عدد الشهداء ارتفع في شهر فبراير/شباط الماضي إلى 45 شهيداً، مشيرةً إلى أنهم يمثلون خسارة كبيرة لذويهم وللنشاط الفني والثقافي.

وظهرت صور الفنانين الذين استشهدوا ونبذة عن مشوارهم الفني في التقرير الشهري الذي تصدره الوزارة، ومن بين الفنانين والناشطين ثقافياً الذين أثروا قطاع غزة بأعمالهم قبل الحرب، الفنانة التشكيلية هبة زقوت، التي كانت ترسم الأماكن المقدسة في القدس والنساء الفلسطينيات بملابسهن التقليدية.

وكذلك عضو فرقة أصايل وطن للدبكة الشعبية تالا بعلوشة (17 عاماً)، ولبنى محمود (15 عاماً) طالبة كمنجة في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقا، التي كانت تمثل بلدها في الأوركسترات العربية والعالمية، والتي استشهدت مع أكثر من 50 شخصاً من عائلتها.

ومن بين القائمة الطويلة الفنان التشكيلي ورئيس منتدى الفن التشكيلي ثائر الطويل، الذي استشهد مع عائلته في إحدى غارات القصف، أيضاً الفنانة المتخصصة في الفنون البصرية والمسرح إيناس السقا، التي استشهدت مع أولادها الثلاثة، وقد كان لها أعمال زاخرة في مسرح الأطفال، وتعدّ من أوائل فناني المسرح في غزة.

واستشهدت أيضاً الفنانة التشكيلية حليمة كحلوت مع 10 من أفراد عائلتها، كما نعت وزارة الثقافة الفلسطينية الشاعر الشهيد عمر فارس أبو شاويش والكوميديان علي نسمان خلال قصف الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.

وشملت قائمة الشهداء أسماء أخرى لامعة من الفنانين والكتّاب والصحافيين والمؤرّخين والعازفين، مثل الفنان محمد السلك الذي كان فاعلاً في جمعية مسرح بذور للثقافة والفنون، وأيضاً الممثل علاء قدوحة المشهور بـ"الجنرال موشي"، وهو أحد أبطال مسلسل "قبضة الأحرار" الذي تدور أحداثه فيما يشبه التنبؤ بعملية طوفان الأقصى، ومن قبله استشهد مخرج المسلسل محمد خليفة والمصور مصطفى ثريا والفنان علي نسمان الذي كان سيشارك في الجزء الثاني من المسلسل.

استهداف ممنهج

وقال وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف: إن الفنان الفلسطيني والناشط الثقافي وكل من يعمل من أجل استمرارية السردية الفلسطينية هم مستهدفون من قوات الاحتلال، مثلهم مثل أبطال حركة المقاومة الفلسطينية.

وأضاف أبو سيف في تصريحات سابقة لـTRT عربي أن تدمير المباني الثقافية أو الفنية أو التاريخية هو دليل على ذلك، فقد جرى تدمير "مسرح الشوا" ومسرح النادي الثقافي الأرثوذكسي" و"مسرح جمعية الوداد"، والمكتبة العامة في بلدية غزة التي كانت تضم ذخائر وطنية وكتباً صدرت في نهايات القرن التاسع عشر، وكذلك الصحف التي صدرت قبل النكبة والأرشيف المركزي للبلدية والوثائق الاقتصادية والسياسية التي يصل عمرها إلى أكثر من 100 عام، كما أن المبنى نفسه مبنى تاريخي، ودمروا متحف رفح، ومتحف الثوب الذي كان يضم 320 قطعة تطريز عمرها أقدم من عمر الاحتلال.

وكانت قد دمرت مراسم الفنانين مع النكبة، ودُور السينما، ومن أشهرها سينما الحمراء بيافا، التي غنّى فيها عبد الوهاب وأم كلثوم، وعُرضت فيها الأفلام المصرية والفلسطينية، وحوّلتها إسرائيل إلى مبنى إداري، إلى جانب تدمير 15 داراً سينمائية أخرى.

ويوضح أبو سيف أن عدد المباني التي جرى تدميرها حتى 7 يناير/كانون الثاني الماضي وصل إلى 195 مبنى، معظمها في حي الشجاعية والدرج والزيتون، من ضمن هذه المباني "كنيسة بروفيروس"، وهي ثاني أقدم كنيسة في العالم، واستُشهد داخلها مصلّون في أثناء صلاتهم، وكذلك حمام السمرة، وهو أقدم حمام تركي في فلسطين مشيَّد منذ 600 عام، وبيت السقا، وهو مركز ثقافي تراثي.

وتقول بثينة حمدان إنه دائماً ما يكون هناك استهداف مباشر للقطاع الثقافي الفلسطيني، معظمه إن لم يكن أغلبه، ففي الحرب الأخيرة دُمّر معظم استوديوهات الفنانين وشركات الإنتاج، حتى النُصب التذكارية لم تسلم من التدمير.

وتلفت المتحدثة الإعلامية لوزارة الثقافة الفلسطينية إلى أن ما حدث في غزة هو استهداف للإنسان وللتاريخ ولكل معالم الحياة في القطاع، مشددة على أن تاريخ فلسطين يجب أن يحصل على الحماية الدولية، لأنه تاريخ روماني وبيزنطي وآشوري وفينيقي.

وتضيف حمدان: "خسرنا في هذه الحرب أيقونات في العمل الفني والأدبي، ومؤثرين في المجتمع الفلسطيني، لأننا نعرف أن حربنا هي حرب على الرواية الإسرائيلية ومحاولتهم تزوير التاريخ".

وهو ما يفسره الناقد السينمائي رامي المتولي، من منظور فني وإعلامي على تعامل جيش الاحتلال الإسرائيلي مع فلسطين كتاريخ وفن وأفراد، ويقول إن الأداة الرئيسية لتعامل إسرائيل مع كل التفاصيل هي تصدير صورتهم من خلال محتوى إعلامي مزيّف.

ويضيف المتولي لـTRT عربي أن إسرائيل تعتمد بنسبة 90% على روايتها من خلال الإعلام والفن لإضفاء شكل من أشكال المظلومية لأحقيتهم بالوجود على الأرض، ودائماً ما تصدر للمجتمع الدولي أنها "تتعامل بحيادية مع الفلسطينيين، وأنها دولة عادلة تمنح حقوقاً متساوية في المواطنة، وتتعامل بحكمة مع العنف الفلسطيني الذي تواجهه".

ويشير رامي إلى أهمية الفنان الفلسطيني في الصراع مع "هذا المحتوى المزيّف للحقائق الذي تصدّره إسرائيل للعالم، فهي تواجه بعنف أي محاولة لتكذيبه، ولإثبات فشله، لذلك فوجود سردية موازية في الدراما والسينما بشكل عام هو نوع من أنواع المقاومة، مقاومة الصورة الصهيونية عن طريق إحياء التراث الثقافي والاجتماعي، ونقله من جيل إلى جيل للحفاظ عليه من الاندثار".

رغم الاستهداف.. رسالة فنية مستمرة

أمام ما خسرته فلسطين من فنانين في هذه الحرب، يبرز السؤال: هل تستمر مقاومة الفنانين والأدباء وكسرهم الرواية الإسرائيلية، رغم عمليات الاغتيال والترحيل القسري والتجويع؟

ويقول الدكتور عاطف أبو سيف: "إننا نقوم بتوثيق ومتابعة يومية لما يجري تدميره وسرقته، كما خاطبنا الجهات الدولية واليونيسكو من أجل حماية التراث الثقافي باتخاذ خطوات عملية وليس فقط بالإدانة".

ويبيّن وزير الثقافة الفلسطيني أن الوزارة استحدثت إدارة جديدة منذ 5 سنوات، وهي الإدارة العامة للرواية والذاكرة الوطنية، التي تهدف إلى الحفاظ على التراث، وكذلك طرح سؤال صراع الرواية على طاولة النقاش، وتعمل من خلال الإعلام والجامعات والمراكز الثقافية.

إلى ذلك، يؤكد الناقد السينمائي رامي المتولي أن السينما الفلسطينية ستظل القوى الناعمة للردّ على أكاذيب المحتل، مضيفاً: "حين نرى التناول الذكي من المخرجين الفلسطينيين والعرب الذين تناولوا القضية الفلسطينية في أعمالهم، سندرك أنها لا تتناول صورة الفلسطيني كما تصدر إسرائيل، بل تجعله شخصاً طبيعياً يحمل عيوباً وسلبيات كما تقتضي الضرورة الدرامية، ومع هذا فالشخصية الفلسطينية في الأفلام، وكأنها تولد بصفات إيجابية لها علاقة بالشرف والدفاع عن الحق وحق المقاومة وحق العودة بغضّ النظر عن بقية عيوبه".

ويقول الصحفي والناقد الأدبي سيد محمود: "إن السينما الفلسطينية تطورت مؤخراً، وطرحت القضية الفلسطينية بذكاء من خلال سرد الأمور الحياتية ومشكلات العيش المشترك، وليس بشكل تقليدي بأن تضع محتلاً في مواجهة مقاوم".

وفي حديثه لـTRT عربي، يُشير محمود إلى نماذج لافتة فنياً مثل فيلم "200 متر"، وهو من الأفلام التي طرحت مشكلة الصراع بشكل ذكي وساخر، وتجلى ذلك أكثر مع ثلاثية علي سليمان الذي ذهبت أفلامه إلى مهرجانات كبيرة، وكذلك أعمال رشيد مشهراوي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً