حث الرئيس الأمريكي جو بايدن الكونغرس الأمريكي على الإسراع في تمرير مشروع قانون ينص على تخصيص 52 مليار دولار لتعزيز صناعة أشباه الموصلات في أمريكا، مشيراً إلى ما يسميه "ضرورة حتمية" الأمن الاقتصادي والوطني لتأمين إنتاج الرقائق الإلكترونية على الأراضي الأمريكية.
وفي معرض حديثه أمام مسؤولين اقتصاديين ونقابيين، الاثنين، قال بايدن إن "أمريكا ابتكرت أشباه الموصلات، لكننا مع الوقت سمحنا للإنتاج بالمغادرة إلى الخارج". وحض على "الضرورة الملحة" بأن تعاود الولايات المتحدة تصنيع هذه الرقائق الإلكترونية المستخدمة في العديد من أدوات الحياة اليومية، ليس لأسباب اقتصادية وحسب، ولكن لأسباب تتعلق بالأمن القومي أيضاً.
ومنذ احتدام الحرب الأوكرانية الروسية في مارس/آذار الماضي، بدأ بايدن بدعم من رجال أعمال هذه الصناعة بالضغط على الكونغرس لتمرير منحة 52 مليار لشركات صناعة الرقائق في إطار الجهود الرامية لتخفيف أزمة أشباه الموصلات، التي اشتعلت مع بدء جائحة كورونا، فضلاً عن دعم الأبحاث التكنولوجية في الولايات المتحدة للتنافس مع الصين.
مشروع قانون "تشيبس بلاس"
يتضمن مشروع القانون المعروف باسم "تشيبس بلاس" تخصيص 52 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس القادمة لتصنيع الرقائق، بالإضافة إلى خصم ضريبي لمدة أربع سنوات بنسبة 25% لإنتاج الرقائق الجديدة، حيث يهدف إلى توليد المزيد من الاستثمار في أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وليس في الصين.
في الوقت الحالي، يحظر التشريع على الشركات توسيع تصنيع أشباه الموصلات في الصين لمدة 10 سنوات بعد أن تحصل على منحة لبناء مصنع أمريكي. فيما يمكن للشركات أن تستمر في الاستثمار في تصنيع الرقائق "القديمة" في الصين، رغم عدم التوصل إلى تعريف واضح وكامل لمصطلح "قديم" بعد.
وعلى الرغم من أن الجمهوريين والديمقراطيين متفقون حول أهمية هذا المشروع، إلا أنهم يعجزون منذ أشهر عن التوصل إلى نص نهائي وتمريره في الكونغرس. وفي السياق ذاته، أقر مجلس النواب في فبراير/شباط نصاً أوسع وأشمل يدعو إلى دعم وتعزيز أبحاث وصناعة التكنولوجيا الأمريكية عموماً بمواجهة المنافسة الآسيوية ولا سيما في قطاع أشباه الموصلات.
من جانبهم، يقول مؤيدو مشروع القانون إنه سيقلل من اعتماد أمريكا على الصين ويحل مشكلة سلسلة التوريد الرئيسية التي ساهمت في ارتفاع معدلات التضخم، فضلاً عن أنه سيكون سبباً في منع تكرار النقص الحاد في الرقائق على مستوى الصناعة الذي أدى إلى تعطيل الإنتاج في صناعات السيارات والإلكترونيات، مما أجبر بعض الشركات على تقليص الإنتاج.
مسألة أمن قومي
عبر هذا التشريع، يريد صانعو الرقائق والساسة تعزيز صناعة الرقائق في الولايات المتحدة للمساعدة في استعادة براعة التصنيع في البلاد، في وقت انخفضت فيه حصة الولايات المتحدة من تصنيع الرقائق من 37% في عام 1990 إلى 12% اليوم.
وأشباه الموصلات، موضوع النقاش، ليست مهمة لصناعة الهواتف والكمبيوترات والسيارات والغسالات وأي شيء يحتوي على بطارية أو سلك طاقة وحسب، بل هي مهمة أيضاً للصناعات الدفاعية المهمة والحساسة. وهو ما دفع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك ساليفان، ليخرج ويحذر من أن "الاعتماد الأمريكي على عدد ضئيل من المصانع في الخارج أمر خطير".
تجدر الإشارة إلى أن شركة TSMC التايوانية، التي تُعتبر الأقوى والأكثر تطوراً عالمياً بجانب سيطرتها على أكثر من 56% من الحصة السوقية للرقائق الإلكترونية، تصنّع الرقائق الإلكترونية التي تُعتبر العقول الإلكترونية لمعظم أسلحة الترسانة العسكرية الأمريكية، ومن أهمها رقائق تخصّ الطائرة الشبحية الأمريكية من الجيل الخامس "F-35"، فضلاً عن توريدها معظم الرقائق التي تحتاج إليها شركات أمريكية عملاقة، مثل أبل وإنتل وأنفديا وغيرها كثير.
إنتل الأمريكية تقود المسيرة
وبينما حذر من خطورة أن تتجه الشركات الأمريكية إلى دول أخرى ، مثل كوريا الجنوبية والصين، للحصول على أشباه الموصلات أو الاستثمار في بناء مصانع هناك، أشاد بايدن بالرئيس التنفيذي لشركة إنتل، بات غيلسنجر، الذي أعلن في فبراير/شباط الماضي عن استثمار 20 مليار دولار في منشأتين جديدتين لتصنيع الرقائق ستبنيهما الشركة غرب كولومبوس بولاية أوهايو.
وتعتزم إنتل إنفاق 100 مليار دولار لبناء مصانع ضخمة في أوهايو على مدى العقد المقبل، بإجمالي ثمانية مصانع في نهاية المطاف، لكن سرعة هذا الاستثمار ستعتمد على الدعم الأمريكي ومرور قانون "تشيبس بلاس" من الكونغرس، حسب ما قال غيلسنجر.
وعلى الرغم من أن إنفاق إنتل يعتبر ضخماً جداً بالمقايس الصناعية، إلا أنه لا يزال يتخلف عن إنفاق سامسونغ و TSMC، اللذين تجاوزا في السنوات الأخيرة شركة إنتل في ريادة صناعة الرقائق. فيما تتوقف خطة إنتل لاستعادة تكنولوجيا الرقائق الخاصة بها بحلول عام 2025 على العديد من التحديات الرئيسية، بما في ذلك التقدم السريع في التصنيع وإطلاق أعمال مختلفة تماماً لصنع الرقائق للآخرين، وليس فقط التصميمات الخاصة بها.
وهنا تحديداً يرجع سبب اختيارها إلى ولاية أوهايو رغم بعدها عن عمليات إنتل الرئيسية في وادي السيليكون وأوريجون وأريزونا. فإلى جانب كون الولاية تعتبر مسرحاً سياسياً مهماً للساسة والمشرعين، إلا أنها قريبة أيضاً من شركات صناعة السيارات التي تأمل إنتل في المساعدة على تحديث وتصنيع رقائقها.