اختُتمت في مدينة إسطنبول أعمال القمة الدولية للاتصالات الاستراتيجية الثالثة (Stratcom Summit'23)، التي عُقدت تحت شعار "الكفاح العالمي ضد التهديدات المختلطة.. الاستقرار والأمن والتضامن" على مدار يومَي 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بتنظيم من رئاسة الاتصالات التركية.
وتناولت القمة مجموعة كبيرة من المواضيع، منها مكافحة المعلومات المضلّلة، والتقنيات والذكاء الصناعي، إضافةً إلى الأزمات الإنسانية والبيئية، وعدم الاستقرار الإقليمي على الساحة الدولية، إذ وفرت القمة مساحة لمناقشة تطوير السياسات والتنسيق، والحوكمة لمعالجة المخاطر، والفرص التي تواجه الدول والمنظمات والمواطنين.
حضور محلي ودولي
وعُقدت القمة بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس الاتصالات فخر الدين ألتون، و60 خبيراً وسياسياً وأكاديمياً من 30 دولة حول العالم، كما استضافت القمة ما يقارب 3 آلاف مشارك محلي وأجنبي.
وعبر كلمة مسجّلة، سلّط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء -في رسالة وجّهها إلى المشاركين- على الأحداث الجارية في قطاع غزة واستشهاد أكثر من 66 صحفياً في فلسطين بعد استهدافهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ونوّه الرئيس أردوغان بتجاهل مؤسسات الإعلام الدولية الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل بحق الأطفال الفلسطينيين وتأثير ذلك في المجتمع الصحفي، مشيداً بوسائل الإعلام التركية ودورها في التغطية الصحفية ومكافحة التضليل الإعلامي.
وقال: "نحن بحاجة إلى النضال بشكل جماعي ضدّ الآثار المدمرة للمعلومات المضلّلة، التي تفسد الديمقراطية وتستهدف الحقوق والحريات الفردية، وسنواصل خوض هذه المعركة بمثابرة وتصميم".
من جهته، اعتبر رئيس الاتصالات التركي فخر الدين ألتون أن "الهدف واضح من خلال تحويل تركيا إلى مركز تفاعل عالمي في مجال الاتصال الاستراتيجي، ولهذا الغرض، يجري تبادل الخبرات والمعلومات مع الأشخاص والمؤسسات التي تعمل بنجاح في مجال الاتصال الاستراتيجي على المستوى الدولي".
ونُوقشت خلال القمة قضايا عديدة بالتفصيل، بدءاً من مكافحة التهديدات الهجينة والاتصالات العامة الرقمية والأزمات الإنسانية، إلى المعركة العالمية ضدّ المعلومات المضللة.
وضمّت فاعليات القمة منصات لمديرية الاتصالات ومؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية (TRT)، ووكالة الأناضول والخطوط الجوية التركية، كما تضمنت مساحات للذكاء الصناعي وورشة عمل الأمن السيبراني، ومساحة للواقع الافتراضي (metaverse) تابعة لمديرية الاتصالات.
وشهدت القمة مشاركة واسعة من الطلاب الجامعيين والصحفيين المستقلين، الذين جاؤوا خصيصاً للاستفادة من النقاشات والمواضيع المنوعة التي ناقشها الخبراء والمسؤولون خلال الجلسات الحوارية.
الاستفادة من تجارب الزملاء
الصحفي المستقل نجيب محمد أوزكان حضر المؤتمر الدولي للاتصالات الاستراتيجية لأول مرة هذا العام، ويقول إن مشاركته كانت "لبناء تواصل مع زملاء المهنة، الذين يؤدون واجباتهم بوصفهم صحفيين في مختلف أنحاء العالم، وللاستماع إلى تصريحاتهم وأفكارهم وآرائهم".
ويضيف أوزكان لـTRT عربي أن "أكثر ما جذب انتباهه من فاعليات القمة، إلى جانب المواضيع والعناوين الأخرى التي نُوقشت، كان تحدث المراسلين الذين عملوا في مناطق الحروب الدائرة الآن في العالم خلال الجلسات الحوارية عن تجاربهم التي مروا بها".
ويرى أن أبرز التحديات التي تواجه الإعلام هو التضليل الإعلامي، مشيراً إلى أن "المعركة الأكثر فاعلية ضدّ هذا التحدي تكون بنشر المعلومات الصحيحة، وذلك من خلال العمل المنهجي المخطط له على المنصات التي ستصل إلى جماهير أوسع".
ويستدرك: "المعلومات المضللة تنتشر بشكل أسرع بكثير من المعلومات الصحيحة، لا سيّما على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يشارك جميع المستخدمين تقريباً المعلومات بسرعة، من دون التحقق منها كما يفعل الصحفيون، ما يؤدي إلى انتشار المعلومات المضلّلة بسرعة".
ويلفت الصحفي إلى أنه يمكن محاربة التضليل الإعلامي من خلال الأفراد الذين ينشرون المعلومات الصحيحة، ويكونون أكثر وعياً ومسؤولية، ويتصرفون بشكل أكبر وفقاً للقواعد العامة للصحافة، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل نشط أكثر، لإيصال أصواتهم بشكل أكثر فاعلية إلى جماهير أوسع.
وهذا لا يعني أن كل من يمتلك هاتفاً متصلاً بالإنترنت يجب أن يكون صحفياً، ولكن يجب أن تصل المعلومات الصحيحة إلى جماهير كبيرة حتى تغطي على المعلومات المضللة التي تُنشر، حسب رأي أوزكان.
"الشك حتى بالوسائل الرسمية"
من جهتها عبّرت لالا عبد الله ييفا -وهي تركية من أذربيجان تقيم في إسطنبول منذ خمس سنوات، وتدرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أوسكودار- عن امتنانها لرئاسة الاتصالات التركية على تنظيم هذه القمة الدولية.
وشاركت لالا في القمة انطلاقاً من الحرب التي شهدتها بلادها، حتى تتمكن من توجيه الناس بشكل صحيح من دون تضليل إعلامي، وللاستماع إلى خبرات المتحدثين والذين تحدثت مع بعضهم لاحقاً.
وتقول لالا لـTRT عربي إن مواضيع عديدة من التي نُوقشت في الجلسات الحوارية شدّت انتباهها، لا سيّما الحديث عن التضليل الإعلامي، إذ بسبب ذلك قدّم الأرمن أنفسهم إلى العالم عبر وسائل إعلامهم الكبيرة ذات العلاقات الجيدة مع فرنسا باعتبارهم "مظلومين"، وادّعوا أن "كاراباخ لهم"، فيما الإقليم للأذربيجانيين.
وترى طالبة العلوم السياسية أنه "بسبب التضليل الإعلامي لا يمكن الوثوق الآن حتى ببعض وسائل الإعلام الرسمية والتابعة للحكومات، ولذلك يجب متابعة المواقع الإخبارية حول العالم والاستماع إلى نقاشات الباحثين في المؤتمرات ومشاهدة الأحداث من زوايا عدّة".
رؤية أبعد للمستقبل
وشاركت الطالبة التركية خديجة رنا تشيكيش في المؤتمر بهدف "رؤية أبعد قليلاً للمستقبل" حسب وصفها، بالإضافة إلى توسيع آفاقها واكتساب وجهات نظر مختلفة.
استفادت خديجة رنا من مواضيع عديدة حول السياسات والعالم الجديد وحروب اليوم ووسائل التواصل الاجتماعي، التي نُوقشت في القمة التي حضرها مسؤولون أتراك ودوليون وأساتذة جامعات من الخارج، وفق ما تقوله لـTRT عربي.
للتكنولوجيا أهمية كبرى
وترى شاريندرا آفيدتا المنحدرة من ماليزيا وخريجة دراسات عليا في الاقتصاد الإسلامي أن المؤتمر مثير للاهتمام كثيراً، بسبب المواضيع التي نُوقشت، خصوصاً تسليط الضوء على ما يحدث في غزة وفلسطين.
وتقول شاريندرا لـTRT عربي إن "الناس يشاركون الأخبار الجديدة من دون التحقق منها، ويساهمون في نشرها حتى لو كانت أخباراً مزيفة"، وهذا كان أحد المواضيع المهمة التي جرى الحديث عنها في القمة.
ولفت انتباهها تسليط الضوء على التكنولوجيا في مجال الإعلام خلال القمة وإمكانية استخدامها في التحقق من الأخبار والمقاطع المصورة حتى لو جرى تعديلها عبر الذكاء الصناعي، ولذلك يجب مواكبة التحديثات التكنولوجية الجديدة وزيادة الوعي حول ذلك لمنع انتشار الأخبار المضللة، كما ترى شاريندرا.
وتُعتبر القمة الدولية للاتصالات الاستراتيجية مركز تفاعل عالمياً ومنصة رائدة في مجال الاتصال الاستراتيجي، وعُقدت هذا العام بنسختها الثالثة.
ونُظمت العام الماضي نسختها الثانية تحت شعار "الاتصال الاستراتيجي في عصر عدم اليقين"، فيما هدفت النسخة الأولى عام 2021 إلى أن تكون القمة منصة رائدة لتشكيل بيئة الاتصال الاستراتيجي.