خلال دورته الأولى في منصب الرئيس بين عامي 2017 و2021 اتخذ ترمب مجموعة من القرارات في السياسة الخارجية التي أثارت لغطاً كبيراً في الولايات المتحدة والعالم، ففي الملف الفلسطيني نقل ترمب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس، وقدم ما عرف بـ"صفقة القرن" المجحفة بحقوق الفلسطينيين، كما شنَّ حرباً تجارية على الصين، ومارس ضغوطاً على حلفائه في الناتو وأوروبا، إضافة إلى اتخاذه خطوات تقاربية مع روسيا.
وتأتي رئاسة ترمب الثانية في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، واعتماد كييف على الولايات المتحدة في دعمها اقتصادياً وعسكرياً، وفي الشرق الأوسط: تواصل إسرائيل حربها على غزة، وتهدد بتوسيعها في لبنان، وفي آسيا تحشد الولايات المتحدة في مواجهة الصين، وتبرز قضية تايوان منطقة توتر بين واشنطن وبكين.
ضبابية نهج ترمب في السياسة الخارجية، وحتى مفاجأته تعززت بوجود طاقم سياسي في الإدارة تنقصه الخبرة، هذا ما يحاول ترمب وفقاً لمجلة الإيكونيميست تفاديه في هذه الدورة من خلال الاستعانة بمجموعة من الموظفين ذوي الخبرة والتجربة، كما تشير المجلة إلى أن "الترمبية" أصبحت أكثر تنظيماً مما كانت عليه عام 2017.
ويقارب مؤيدو ترمب هذه الصفة من وجهة نظر إيجابية، ويشير ريتشارد جرينيل، مدير الاستخبارات الوطنية السابق لصحيفة فاينانشال تايمز إلى أن "القدرة على التنبؤ بـ(ترمب) شيء صعب، بالطبع يريد الجانب الآخر التنبؤ، لكنه غير قابل لذلك".
إسرائيل والشرق الأوسط
من الملفات المهمة التي سيكون لها موقع مهم على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولم يصدر حتى هذه اللحظة موقف واضح من الرئيس ترمب حول تصوراته السياسية للتعامل مع الحرب، وسبق أن دعا إلى ضرورة إيقاف الحرب.
لكنه عبَّر في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن دعمه الكامل لإسرائيل في حربها وقال له: "افعل ما يجب عليك فعله"، بينما قالت كارولين ليفيت المتحدثة باسم حملة ترمب في وقت سابق " عندما يعود الرئيس ترمب إلى المكتب البيضاوي، سيصلح الفوضى التي أحدثتها سياسات كامالا وبايدن، ستجري حماية إسرائيل مرة أخرى، وستعود إيران إلى الإفلاس، وسيُطارد الإرهابيون، وستنتهي إراقة الدماء".
على حين يشير برايان كاتوليس، الزميل البارز في السياسة الخارجية الأمريكية في معهد الشرق الأوسط، لصحيفة واشنطن بوست إلى "أن الولاية الثانية قد تشجع جهود إسرائيل على المضي قدماً بشكل أكثر عدوانية من دون أي قيود".
وصوّتت النسبة الأكبر من يهود الولايات المتحدة لمصلحة الحزب الديمقراطي والمرشحة كامالا هاريس، كما أظهر استطلاع لمنظمة جيه ستريت التي أشارت إلى تصويت 75% من اليهود للحزب الديمقراطي، إلا أن عكس الصورة في إسرائيل التي رحب فيها أركان الحكومة بدءاً من رئيس الوزراء وصولاً إلى قادة الأحزاب اليمينية بفوز ترمب.
ومن الممكن إرجاع ذلك إلى اعتبارات عدة، أولها حالة التوتر بين الإدارة الديمقراطية للرئيس بايدن، التي وإن قدمت كل أشكال الدعم لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها كانت محط سخط من نتنياهو الذي يراهن على كسب الوقت والدعم اللازم من ترمب لتطبق تصوراته السياسية في غزة ولبنان والضفة الغربية كذلك.
أوكرانيا
لا يخفي ترمب أو حتى نائبه جيه دي فانس معارضتهما للحرب في أوكرانيا أو الدعم الأمريكي الواسع الذي قدمته الإدارة السابقة للجيش الأوكراني، وسبق أن صرح ترمب قائلاً: "في كل مرة يأتي فيها زيلينسكي إلى هذا البلد، يخرج ومعه 60 مليار دولار- إنه أعظم بائع على الإطلاق".
كما صرّح ترمب في مناسبة أخرى أنه سوف ينهي الحرب خلال 24 ساعة فقط عند توليه الرئاسة، وفي شهر أبريل/نيسان الماضي نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصادر داخل حملة ترمب الانتخابية أنه قال في تصريحات خاصة، إنه قد ينهي حرب روسيا في أوكرانيا بالضغط على أوكرانيا للتخلي عن بعض الأراضي، وتتلخص مقترحات ترمب وفقاً للصحيفة في دفع أوكرانيا إلى التنازل عن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الحدودية لروسيا.
هذا الأمر يفسر تحمّس روسيا لرئاسة ترمب، وتعويلها على إجراءاته بالحد من المساعدات الغربية للحكومة الأوكرانية، وهذا ما صرح به ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي الذي قال "بالنظر إلى الخطاب الذي سبق الانتخابات، فإن الفريق الجمهوري لن يرسل المزيد والمزيد من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين إلى أتون الحرب بالوكالة ضد روسيا".
وقال جيريمي شابيرو، رئيس مكتب واشنطن للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لصحيفة واشنطن بوست، إن سياسة ترمب تجاه الملف الأوكراني تهدف إلى إبعاد روسيا عن الصين، ويضيف شابيرو، "يشعر أنصار ترمب وكأن إحدى الخطايا الكبرى للحرب الأوكرانية والسياسة تجاه روسيا، بشكل عام، هي دفع روسيا نحو الصين وجعلها أكثر اعتماداً عليها".
الصين وتايوان
احتلت الصين موقعاً مركزياً من سياسة ترمب الخارجية والتجارية، فخلال دورته الأولى، شن ترمب حرباً تجارية على بكين، تتضمن رفعاً للرسوم الجمركية على عدد من السلع الواردة من الصين، وخلال حملته الانتخابية الحالية هدد ترمب برفع التعريفات الجمركية على السلع الواردة من الصين بنسبة 60%، هذه النسبة تهدد الاقتصاد الصيني بشكل حقيقي.
ويهدد ترمب بإنهاء وضعية الصين كدولة يجري بناء "علاقات تجارية طبيعية دائمة" معها، هذا الأمر من شأنه وفقاً لمجلة الإيكونيميست أن يرفع التعريفات الجمركية على السلع الصينية إلى 61% في المتوسط، وسوف ترفع التعريفات الجمركية على الهواتف المحمولة الصينية من 0% إلى 35%؛ وفيما يتعلق بالألعاب الصينية من 0% إلى 70%.
وتشير تقديرات بنك الاستثمار ماكواري إلى أنه من المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو البلاد بنقطتين مئويتين كاملتين، وهو ما سيكون أقل بقليل من نصف معدل التوسع الاقتصادي المتوقع للصين على مدار العام بأكمله والذي يبلغ 5%.
ويعدّ ملف جزيرة تايوان ومطالبات الصين بالسيادة عليها من أهم الملفات التي سوف يتعامل معها الرئيس الأمريكي الجديد، وخلال حملته الانتخابية اتهم ترمب تايوان بأنها سرقت أعمال الرقائق الأمريكية، ودعا في أكثر من مناسبة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي التايواني إلى 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة.
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة وول ستريت جورنال قال ترمب، إنه لن يرد بالقوة العسكرية على الصين في حال فرضت حصاراً بحرياً على تايوان، وبدلاً من ذلك سوف يفرض تعريفات جمركية تتراوح بين 150% و200% على بكين.