في أعقاب نشوب الحرب على قطاع غزة، تبنت الحكومة الإسرائيلية مقترح وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، تسليح الإسرائيليين بأنواع مختلفة من الأسلحة الشخصية، ولم تكن مطالبة بن غفير وليدة الأحداث، بل كان هذا مطلبه الأساسي منذ فترة طويلة قبل ذلك.
وحين أصبح وزيراً للأمن القومي عند تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، أصبح تسليح الأفراد مطلبه الأساسيّ، وعدّه "الذراع الحامية" للإسرائيليين أمام تعاظم العمليات الفلسطينيّة داخل إسرائيل أو في الضفة الغربية.
ورغم التسهيلات التي عرضتها وزارته لكلّ من يرغب في حيازة السلاح قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن الاستجابة لم تكن كبيرة.
مردّ ذلك إلى سببين رئيسين، هما امتلاك الكثير من الإسرائيليين أسلحة شخصية بحكم خدمتهم في الجيش حافظوا عليها بعد انتهاء خدمتهم، فيما اعتقد آخرون أن بوسع قوى الأمن الداخلي الدفاع عنهم في وقت الأزمات الأمنية.
وقد كان المجتمع الإسرائيلي معتاداً على مظهر انتشار الأسلحة في المجال العام كلمّا نشبت أزمة أمنية كبيرة أو صغيرة، فضلاً عن انتشار قوى الأمن المسلّحة في الكثير من الأماكن العامة.
كذلك رافَقَ الكثيرَ من الإسرائيليين سلاحُهم الشخصي في الأماكن العامة، سواء في أروقة الجامعات والمؤسسات الحكومية أو المطاعم وأماكن الترفيه.
لكن مظاهر المسلّحين الإسرائيليين لم تردع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عن تنفيذ عمليات، وهو ما دفع بن غفير الذي يعيش في مستوطنة "كريات أربع" في الخليل، إلى العمل أكثر على زيادة تسليح الإسرائيليين بأسلحة شخصية ومن أنواع مختلفة.
ومنذ دخوله الحكومة، عمل الوزير المتطرف على مدى أشهر على تخفيف القيود وتسهيل الشروط للحصول على السلاح.
واستغل بن غفير الفشل الأمني الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ليدفع وبقوة نحو توزيع السّلاح لمن يطلبه، بدعوى أن السلاح يزيد أمن الإسرائيليين ويشكل طبقة أخرى للدفاع عنهم عند تعرضهم لخطر أمنى.
وهنالك تقديرات بأن وزارة الأمن الداخلي وزّعت على المواطنين الإسرائيليين نحو 120 ألف قطعة سلاح من أنواع مختلفة، كما تخلَّت "وزارة الأمن القومي" عن الكثير من المعايير التي تتيح الحصول على السلاح، ولم يعد هناك اعتبار لقدرات حامل السلاح العقلية أو النفسية في تقييم حصوله على رخصة حمل السلاح.
ويعتقد مراقبون كُثر أن هذا سيؤدي إلى نتائج مجتمعية كارثية، إذ إن هذا السلاح وصل إلى الكثير من غير المؤهلين نفسياً أو اجتماعياً لحمل الأسلحة، ما قد ينقلب على إسرائيل، ويصبح أداة للعنف المجتمعي، كما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية من حين لآخر.
ومع تعاظم العداء داخل المجتمع الإسرائيلي لفلسطينيي الداخل، وتعاظم قوى اليمين المتطرف في إسرائيل كما يظهر مؤخراً في استطلاعات الرأي وتركيبة البرلمان الإسرائيلي والحكومة، تعاظمت مظاهر العدوانية من قوى اليمين واليمين المتطرف ضد الفلسطينيين في إسرائيل.
وكشفت الجمعيات الحقوقية والأهلية عن ارتفاع ملحوظ في أعداد الاعتداءات الجسدية على الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، فقط لأنهم عرب.
ورصدت هذه الجمعيات ارتفاعاً هائلاً في المواقف العنصرية والكراهية والتمييز ممن يتقلدون مناصب رسميّة ضد العربيّ الفلسطينيّ على أساس الانتماء.
وبعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، وانتشار الكراهية، وانتشار الأسلحة في الشوارع بيد آلاف الاسرائيليين الذين يرون في سلاحهم وسيلة للدفاع عن أنفسهم وعن مجتمعهم أمام كل من هو عربي؛ تزداد المخاوف من أعمال تستهدف فلسطينيي الداخل، خصوصاً أن الشعور بالأمن والأمان لدى المجتمع اليهودي في إسرائيل في تراجع مستمر، ومع اهتزاز صورة قوى الأمن أصبح الفلسطيني في أراضي 48 هدفاً للانتقام من معظم فئات الإسرائيليين.
ولم تتوانَ مؤسسات رسمية وأكاديمية عن إظهار هذه الكراهية، وحاسبت الجامعات الطلاب العرب على "تغريدة" في وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى استعمال إشارة "لايك" (إعجاب) على الشبكات الاجتماعية.
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية العشرات لتفسيرها آية قرآنية أو صورة أو جملة على منصات التواصل الاجتماعي بأنها خطر على أمن المجتمع الإسرائيلي أو دعم لمنظمات معادية لإسرائيل.
هكذا تسبّب التحريض المتواصل لوسائل الإعلام وشحن المجتمع الإسرائيلي ضد المواطنين العرب في حوادث اعتداء مباشرة لمجموعات يهودية على طلاب عرب قاطنين في السكن الجامعي، مثلما وقع في كلية نتانيا وسط البلاد.
والأخطر من كل هذا ومع أجواء التحريض ضد الفلسطينيين في أراضي 48 وانتشار السلاح بيد المواطنين اليهود في الحيّز العام، أن الفلسطينيّين أصبحوا يشعرون بالخطر الداهم من مواطني إسرائيل، والمتمثل في إمكانية استعمال الرصاص في هجمات عليهم، بحجة أن مُطلق الرصاص يشعر بتهديد من تصرّف الفلسطيني فقط لأنه يوجد في المكان نفسه في الوقت ذاته.
إن الشحن العام لجمهور الإسرائيليين الذي يقوم به الكثير من القيادات اليهودية ضد الفلسطينيين بشكل عام، وإظهار فلسطينيي 48 الذين يعدّون وفق القانون مواطنين، يشكّل خطراً على سلامتهم. خصوصاً بعد أن عدّهم الكثير من قادة الأحزاب اليهودية اليمينية أعداءً يجب أخذ الحيطة منهم والنظر إليهم بريبة وعدوانيّة.
ومع انتشار السلاح بيد آلاف الإسرائيليين في الحيّز العام، خصوصاً في فترة الحرب، لا نستبعد توجيه أحدهم هذا السلاح السائب تجاه أي شخص ناطق بالعربية، إذ يعتقد هؤلاء الإسرائيليون، خصوصاً مَن توتَّرت تصرفاتهم ونفسياتهم تحت ضغط الحرب، أن سلاحهم يحميهم.
لكنه في واقع الحال يزيد من ضغوطهم النفسية وقلقهم من الآخر ويُظهر عدوانيتهم وعنصريتهم تجاه كل ما هو فلسطيني.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.