تابعنا
تعتبر موافقة الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الجاري على فتح المفاوضات مع أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد رغم الحرب مع روسيا أبرز المكاسب السياسية التي حققتها كييف خلال عام 2023.

مع نهاية عام 2023 والاقتراب من الدخول في عام 2024 تقترب الحرب الروسية-الأوكرانية من إتمام عامها الثاني، وكانت السمة البارزة للعام الثاني من الحرب وجود صعوبات بالغة في إحراز أي من طرفي الصراع تقدماً ميدانياً كبيراً، واتخذت الجبهات تدريجياً طابع "الثبات ومواجهات الاستنزاف"، حسب وصف القائد الأعلى للقوات الأوكرانية فاليري زالوجني.

رغم حالة الثبات العامة في خرائط السيطرة وخطوط الاشتباك، فإن عام 2023 لم يخلُ من بعض المكتسبات الميدانية التي حققها كل طرف بنسب متفاوتة، بالإضافة إلى مكاسب سياسية.

الهزائم والانتصارات الميدانية

تعتبر السيطرة على مدينة باخموت التي صار اسمها أرتيوموفسك في مايو/أيار 2021، أبرز مكسب ميداني بالنسبة إلى الجيش الروسي، وإلى جانب الاعتبار المعنوي المتمثل بإظهار روسيا قدرتها على الحسم الميداني، فالسيطرة على باخموت تفتح الباب أمام القوات الروسية للتقدم باتجاه مدينتَي سلوفيانسك وكراماتورسك في إقليم الدونباس.

الجيش الأوكراني الذي أطلق هجومه المضاد في يونيو/حزيران 2023، تمكن من كسر خط الدفاع الروسي الأول جنوب شرق أوكرانيا -تحديداً قرب منطقة زابوريجيا- لكن الهجوم المضاد لم يحقق آمال الأوكرانيين، وفق ما صرح به سكرتير مجلس الدفاع الأوكراني، إذ كان الهدف الوصول إلى بحر آزوف وقطع الطريق بين شبه جزيرة القرم والأراضي التي سيطرت عليها روسيا في جنوب أوكرانيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت أوكرانيا السيطرة على بعض المواقع في خيرسون الواقعة على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو جنوب البلاد، بعد مرور قرابة 5 أشهر على إطلاق الهجوم المضاد.

ويؤيد الخبير في الشأن الروسي محمود حمزة إطلاق وصف "حرب استنزاف" على المعارك الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، نظراً إلى أن نتائج المواجهات تقتصر على سقوط قتلى من الطرفين من دون إحراز سيطرة على جغرافيا مؤثرة.

ويؤكد حمزة في حديثه مع TRT عربي وجود حالة جمود في خطوط الجبهات، والاقتصار على معارك "الكر والفر" التي لا ينجم عنها سوى السيطرة على مئات الأمتار ثم التراجع عنها.

ويعتقد أن المعارك الحالية، بالإضافة إلى الضربات المتبادلة بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية في العمق الروسي والأوكراني، تعزز حالة الاستنزاف ولا تؤدي إلى تحقيق تقدم ميداني لأي من الطرفين.

ويشير حمزة إلى فشل الهجوم الأوكراني المضاد نتيجة عدم الحصول على الدعم الغربي الكافي، بالإضافة إلى حرص روسيا على تحصين المواقع التي تسيطر عليها والسعي لتثبيت خطوط الاشتباك، تمهيداً لعقد اتفاق سلام يراعي الأمر الواقع.

وتحدث تقييم استخباري جرى عرضه في الكونغرس الأمريكي شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري عن مقتل وجرح قرابة 315 ألف عسكري روسي، أي ما يعادل نسبة 87% من إجمالي القوات الروسية التي تبلغ 360 ألفاً حسب تقديرات التقييم، كما أدت الحرب إلى خسارة روسيا 2000 دبابة منذ بداية الحرب مع أوكرانيا.

وتشير التقديرات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية بشكل مستمر إلى خسارة أوكرانيا يومياً المئات من الجنود، بالإضافة إلى إسقاط عديد من الطائرات المسيرة وتدمير الدبابات والعربات.

ويرى الباحث في الشؤون الروسية أحمد دهشان أن المكاسب الميدانية الأوكرانية خلال عام 2023 كانت محدودة للغاية، لكن القوات الأوكرانية حصدت بعض النتائج وسيظهر أثرها على المدى البعيد.

ويبيّن دهشان لـTRT عربي أن أهم النتائج التي حققتها القوات الأوكرانية، والتي من المتوقع أن يظهر أثرها لاحقاً، اكتساب خبرة كبيرة بالتعامل مع الأسلحة الغربية، والحصول على أسلحة وتكنولوجيا متطورة، تعول كييف على زيادتها في الفترة المقبلة، خصوصاً أن الطواقم الأوكرانية تتدرب حالياً على طائرات أمريكية، وقد تحصل على هذه الطائرات في العام المقبل.

وأشار دهشان إلى أن عدم نجاح الهجوم الأوكراني المضاد في استعادة مواقع جغرافية مؤثرة سيتسبب بازدياد التردد لدى المجتمع الدولي في دعم كييف.

المكاسب والخسائر السياسية

تعتبر موافقة الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الجاري على فتح المفاوضات مع أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد رغم الحرب مع روسيا أبرز المكاسب السياسية التي حققتها كييف خلال العام المذكور.

واعتبر الباحث أحمد دهشان أن أوكرانيا على أعتاب الحصول على معاملة تفضيلية داخل الاتحاد الأوروبي، رغم التوقعات بأن تأخذ مسألة الانضمام إلى الاتحاد مزيداً من الوقت، وهذا سينعكس إيجابياً على الحالة الاقتصادية المتدهورة.

في المقابل أشار دهشان إلى تعزيز الكرملين خلال عام 2023 هيمنته على الوضع الداخلي في روسيا، لأن كثيراً من النشطاء السياسيين المناهضين للحرب على أوكرانيا والقادرين على تحريك الشارع غادروا البلاد، وتراجعت فرص تأثيرهم في الشعب الروسي، كما جرى إغلاق عديد من المنافذ الإعلامية الحرة بحجة العمالة للغرب.

وأضاف دهشان أن "السلطات الروسية استطاعت تجاوز الصدمة التي حصلت في الشارع الروسي عام 2022 نتيجة عدم قدرة الجيش على حسم المعركة سريعاً، ويمكن ملاحظة حالة من التفهم للشعب الروسي لطبيعة المعركة بحكم انخراط حلف شمال الأطلسي فيها، كما حصلت حالة تطبيع بين الشارع والاختراقات الأمنية الناجمة عن الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيرة داخل الأراضي الروسية".

من جهته يرى الخبير في الشأن الروسي محمود حمزة أن عام 2023 شهد تراجع زخم الدعم الغربي للجيش الأوكراني، الأمر الذي انعكس سلبياً على معنويات كييف وسير المعارك.

ويلفت حمزة إلى تفشي حالة من الخلافات بين القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية، إذ ظهر بعض الأصوات التي تدعو للتفاوض والقبول بالأمر الواقع، في ظل تراجع ملحوظ في حجم الدعم الأمريكي.

مستقبل الحرب

تعزز التصريحات التي صدرت عن القائد الأعلى للقوات الأوكرانية فاليري زالوجني، والتي تحدث فيها عن جمود الجبهات وثباتها، الاعتقاد السائد بأن أمد النزاع بين كييف وموسكو سيطول لفترة إضافية.

وأتت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتؤكد استمرار الصراع، إذ أكد في ديسمبر/كانون الأول 2023 أن أهداف بلاده في أوكرانيا لن تتغير، وأن السلام سيحل عندما تتحقق أهدافهم.

ويرجح محمود حمزة أن تستمر المواجهات طيلة عام 2024 على أقل تقدير، في ظل تمسك روسيا بضم الأراضي الأوكرانية التي دخلتها مع بداية الحرب، وإصرار كييف على تحرير كامل هذه الأراضي، لافتاً إلى عوامل ستؤثر في مدة الصراع، وأبرزها حجم الدعم الذي سيقدمه الغرب إلى كييف، وما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستستمر في دعم أوكرانيا العسكري.

ويشير الباحث أحمد دهشان إلى أن أوكرانيا تعول على عامل الزمن، ومرحلة ما بعد بوتين من أجل تغيير معطيات ووقائع الحرب، وفي المقابل فإن موسكو تعتقد أن استمرار الصراع بشكل منضبط قد يؤدي إلى تحلل الدولة الأوكرانية، خصوصاً مع ظهور معارضة لزيلينيسكي، وتصاعد احتمالات تراجع الدعم الغربي تدريجياً، وهذا يجعلنا أمام سيناريو استمرار الصراع لمزيدٍ من الوقت تبعاً للمعطيات.

TRT عربي
الأكثر تداولاً