وأدانت هيئة المحلفين بنيويورك ترمب في قضية تزوير وثائق للتغطية على مبلغ مالي دفعه لشراء صمت ممثلة إباحية قبل انتخابات عام 2016، وهو تطوُّر أثار ضجة واسعة في الولايات المتحدة، بخاصة مع احتمالية تلاشي آمال عودة ترمب إلى البيت الأبيض.
لكن رغم الإدانة، لا يمنع دستور الولايات المتحدة أصحاب السوابق من تولي الرئاسة، إذ يتطلب الدستور فقط أن تكون سن الرؤساء 35 عاماً على الأقلّ، وأن يكونوا مواطنين أمريكيين مولودين في البلاد ويعيشون فيها لمدة 14 عاماً.
في المقابل، لن يتمكن ترمب في حال عودته إلى البيت الأبيض من العفو عن نفسه أو إصدار أمر يُنهي الملاحقات ضده في هذه القضية، لأن القضاء المسؤول عنها تابع لولاية نيويورك لا للدولة الفيدرالية.
"محاكمة استثنائية".. كيف صدر الحكم ضد ترمب؟
"مذنب"، هو القرار الذي توصلت إليه هيئة المحلفين في مانهاتن المؤلفة من 12 شخصاً قضوا ما يقارب يوماً كاملاً قبل أن يعودوا إلى قاضي المحكمة العليا في مقاطعة نيويورك خوان ميرشان، وينطقوا حكمهم بالإجماع.
وخلال مؤتمر صحافي، رحب المدّعي العامّ ألفين براع بحكم الإدانة الذي أصدرته هيئة المحلفين، وقال إن "هيئة المحلفين قالت كلمتها" حين وجدت المتهم مذنباً بكل التهم الأربع والثلاثين الموجهة إليه.
ويمثل الحكم خسارة غير عادية لمرشح الحزب الجمهوري، الذي ألقى خطابات شبه يومية خارج قاعة المحكمة طوال فترة المحاكمة، انتقد فيها النظام القضائي وأعلن براءته.
وأشاد عديد من الصحف الأمريكية بالحكم، فوصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الإدانة بأنها "تتويج لمحاكمة استثنائية اختبرت مرونة النظام القضائي الأمريكي وحولت القائد الأعلى سابقاً إلى مجرم مدان".
وأضافت الصحيفة أن "سكان نيويورك الاثني عشر (هيئة المحلفين) احتاجوا إلى ما يقارب 10 ساعات للبَتّ في قضية انطلقت من أول حملة انتخابية للرئيس ترمب في البيت الأبيض، حيث يؤكد المدعون أن ترمب ارتكب عملية احتيال على الشعب الأمريكي".
أما صحيفة "واشنطن بوست" فقالت إن "هذا الحكم سينقل البلاد إلى منطقة غير مسبوقة، وسوف يتردّد صدى تأثيره عبر السياسة الأمريكية في الأشهر المقبلة".
وحدّد القاضي 11 يوليو/تموز المقبل موعداً للنطق بالعقوبة بحقّ ترمب، وهذا الموعد يأتي قبل أربعة أيام من موعد انعقاد "المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري" الذي يُختار فيه المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس قبل انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتصل عقوبة جريمة تزوير المستندات التجارية القصوى إلى أربع سنوات في السجن، لكن من النادر أن يُحكَم على الأشخاص الذين ليس لديهم تاريخ إجرامي والذين أُدينوا فقط بتزوير سجلات الأعمال بالسجن في نيويورك، إذ إن العقوبات مثل الغرامات أو المراقبة أو الإقامة المنزلية الإجبارية هي الأكثر شيوعاً.
الباحث في العلاقات الدولية والشأن الأمريكي كمال الزغول، يعتقد أن مسألة الحكم قد تُخفَّف من 4 سنوات إلى غرامة مالية لتَجنُّب الصدام، لكن من ناحية أخرى ما زالت مسألة السجن واردة في ما يتعلق بتهمة نقل وثائق سرية، إذ تبلغ مدة الحكم 10 سنوات فأكثر، كما حدث عام 1920 في محاكمة المرشح، يوجين دبس، الذي قضى 10 سنوات في السجن بسبب معارضته للحرب العالمية الأولى وما شابها من تحريض ضد الحرب.
ويقول الزغول لـTRT عربي: "أعتقد أن معركة السجن طويلة وسيشوبها كثير من الأمور، بخاصة إذا لم يحالف ترمب الفوز، فلن يستطيع إعفاء نفسه من السجن بمرسوم رئاسي، وهذا قد يؤدّي به إلى سجن بعد الانتخابات".
ويتابع: "ما أراه أن الديمقراطيين هدفهم إقصاء ترمب عن الرئاسة، لا السجن، احتراماً لمنصبه رئيساً سابقاً، ولأن ذلك سيؤدي إلى تقسيم أمريكا حزبياً وثقافياً وآيديولوجياً، مع الأخذ بالاعتبار أن المعطيات التي ستتشكل بعد الانتخابات تختلف عن العناصر الحالية".
كيف ردّ ترمب ومناصروه؟
في حديثه بعد إدانته بجميع التهم، علّق ترمب بأن "الحكم الحقيقي سيكون للشعب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني"، معتبراً أن محاكمته كانت "وصمة عار"، وأنها "مزورة بفعل قاضٍ متضارب فاسد".
بدوره، أكد محامي ترمب تود بلانش، لشبكة CNN الأمريكية، إن فريقه سيستأنف الحكم في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أنه "في نيويورك تقضي الإجراءات [النطق بالعقوبة أولاً، ثم نستأنف".
وعن الأسباب التي ستدفع فريق ترمب إلى تقديم الاستئناف، قال بلانش إنه شعر أن الدعاية وتوقيت المحاكمة "كانا غير عادلين حقّاً للرئيس ترامب".
من جهته، أعرب رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، عن أسفه لحكم الإدانة، معتبراً أنه "يوم مخزٍ" في تاريخ الولايات المتّحدة.
فيما قالت النائبة عن نيويورك والجمهورية التي تحلّ في المرتبة الثالثة في الأهمية بمجلس النواب، إليز ستيفانيك، إن "نتيجة المحاكمة هي علامة على نظام قضائي فاسد مزوّر".
وأضافت: "أنا أؤيد تماماً استئناف الرئيس ترمب لهذا القرار، وأتطلع إلى أن تحقّق محكمة الاستئناف في نيويورك العدالة وتلغي هذا الحكم".
وكان مِن أول مَن ردّوا في الكونغرس النائب جيم جوردان، أحد أقوى حلفاء ترمب في واشنطن ورئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، الذي وصف المحاكمة والحكم بأنهما "مهزلة للعدالة".
وقال جوردان إن ترمب تَعرَّض لـ"محكمة صورية"، وأن العملية كانت مصمَّمة عمداً لإبعاده عن مسار الحملة الانتخابية لعام 2024، رغم أن ترامب عقد عدة تجمعات ووقفات انتخابية خلال المحاكمة التي استمرت ستة أسابيع.
كيف ستنعكس القضية على حظوظ ترمب في الانتخابات؟
الباحث في العلاقات الدولية والشأن الأمريكي كمال الزغول، يرى في حديث لـTRT عربي أن تداعيات حكم ترمب ستُعطي مؤيديه فرصة أكبر للظهور في الشارع وتأييده، بخاصة في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو/تموز المقبل.
ويتوقع الزغول أن حظوظ ترمب ما زالت كبيرة، لتكاتف الجمهوريين معه، "لكنه من ناحية أخرى سيكون متهماً في المناظرة القادمة على المنصة التليفزيونية التي ستُوقِع الأمريكيين في حيرة من أمرهم في مَن عليهم أن يصوتوا له"، وفق قوله.
وأشار الزغول إلى أنه في الفترة المقبلة سنشهد حججاً دستورية من الفقهاء القانونيين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول منع ترمب من الرئاسة استناداً إلى التعديل الدستوري رقم 14 المُقَرّ عام 1868، وتقول فقرته الثالثة إنه "لا يجوز لأي شخص أقسم على احترام دستور الدولة ثم اشترك بعد ذلك في أي تمرد أو عصيان ضدّها، أو قدم عوناً ومساعدة لأعدائها، أن يشغل منصباً حكومياً أو عسكرياً".
ويلفت إلى أنه في هذا النص لا تظهر كلمة "رئيس"، بل "موظف حكومي أو عسكري"، وهذا ما سيثير الجدل في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يُثار حول هذا النص الجدل بخاصة حول مسألة التجسس وإفشاء معلومات سرية بنقل الوثائق المصنفة سريةً إلى قصره لا مار لاغو، حسب ما يشرحه الزغول.
ويرى الزغول أن دخول ترامب السجن من عدمه لا يُفيد الديمقراطيين، وما يهمهم هو الإدانة فقط للمضيّ قُدُماً في حملتهم الانتخابية، وسيكون تنافس الطرفين ساخناً، سواء المناظرات والمؤتمرات وشهادات أعضاء إدارة بايدن في الكونغرس التي ستأخذ طابع الشدة، متوقعاً أن الأحداث سيعتمد بعضها على بعض تَوالياً.
وكان تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز" أشار إلى أن "حكم الإدانة سيتردّد صداه في جميع أنحاء البلاد والعالم، لأنه يبشّر بعصر جديد من السياسة الرئاسية، إذ سيحمل ترمب وصمة حكم الإدانة خلال ترشحه الثالث للبيت الأبيض، فيما سيختار الناخبون الآن بين شاغل المنصب الذي لا يحظى بشعبية (بايدن)، ومجرم مدان (ترمب)".
بدوره، يرى الباحث والمحلل السياسي في الشؤون الأمريكية، توفيق طعمة، أن ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية أمس من إدانة لرئيس أمريكي سابق مرشَّح للرئاسة الأمريكية، هو أمر "تاريخي غير مسبوق".
ويقول طعمة لـTRT عربي إن "هذا سيطرح كثيراً من الأسئلة حول كيف سيتعاطى الجمهور الأمريكي مع رئيس مُدان، فالآن في أوساط الحزب الجمهوري، سيصوّت 67% لترامب بغضّ النظر عن إدانته، لتمتُّعه بقاعدة صلبة من الحزب".
ويضيف أن دونالد ترمب الآن يسبق منافسه بايدن بعدة نقاط، حسب استطلاعات الرأي التي تقول إن 6 ولايات متأرجحة وعادةً هذه هي الولايات التي تحسم الفوز في الانتخابات.
خمس من هذه الولايات حتى الآن صوّتت حسب استطلاعات الرأي مع ترمب، بالتالي توجد فرصة كبيرة جداً لفوز ترمب في الانتخابات القادمة رغم الإدانة وصدور قرار القاضي المحكمة في 11 يوليو/تموز، وفق طعمة الذي يؤكد أن "دعم ترمب سيستمر في حملته الانتخابية، وما زالت حظوظه كبيرة في فوزه في الانتخابات القادمة".
لكن من ناحية أخرى أفادت شبكة ABC بأنه للوهلة الأولى، يشير بعض الأدلة من استطلاعات الرأي إلى أن هذه الإدانة ستؤدي إلى تآكل دعم ترمب كثيراً، إذ وجد استطلاع أجرته شبكة CNN/SSRS في أبريل/نيسان الماضي أنه في حين قال 76% من مؤيدي ترمب إنهم سيدعمونه بغض النظر، قال 24% إنهم "قد يعيدون النظر" في دعمهم له إذا أُدينَ، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته كلية إيمرسون في مايو/أيار أن 25% من الناخبين قالوا إن الحكم بالإدانة في نيويورك سيجعلهم أقل احتمالية للتصويت لصالح ترمب.