اهتمت الصناعات الدفاعية التركية بإنتاج وتطوير الأنظمة المُسيرة وغير المأهولة، فاستطاعت شركات مثل "بايكار" إنتاج عدد من المنظومات الجوية المُسيرة التي حققت نجاحات كبيرة في ساحات معارك مختلفة، كالمُسيرة "بيرقدار تي بي 2" التي أثبتت كفاءتها في حرب سوريا وأذربيجان وليبيا وأوكرانيا.
لم يتوقف الاهتمام التركي بإنتاج الأنظمة المُسيرة على المركبات الجوية، وإنما امتد إلى المركبات البرية والبحرية التي حظيت باهتمام خاص، يتناسب مع التطور الصناعي التركي في مجال بناء السفن الحربية والغواصات، وذلك لتلبية متطلبات استراتيجية "الوطن الأزرق" لحماية الأمن القومي التركي وتأمين المسطحات البحرية المحيطة بتركيا.
وامتداداً لإسهاماتها المهمة في إنتاج الأنظمة المُسيرة، أنتجت شركة "أسيلسان" بالتعاون مع شركة "سفينة تيرسانيسي" لصناعة السفن، المركبة البحرية المُسيرة "مرلين سيدا" التي سُميت على اسم سمكة "المرلين" التي تتميز بسرعتها خلال السباحة في المياه المفتوحة.
مواصفات متقدمة
ووفق شركة "أسيلسان" التركية، فإن المركبة المُسيرة تتمتع بمجموعة من المواصفات الفنية المتقدمة، فنظام "مرلين سيدا" يبلغ من الوزن 21 طناً، وحمولته المفيدة تصل إلى 4 أطنان، فيما يصل مداه إلى ما يقرب من 1000 ميل بحري، و72 ساعة عمل بلا توقف، وتَستخدم المُسيرة محركَي ديزل، وسرعتها تصل إلى 35 عقدة بحرية.
وطوَّرت شركة "أسيلسان" أنظمة التحكم بالمركبة المُسيرة، وزوَّدتها بمجموعة متقدمة من أنظمة الحرب الإلكترونية الهجومية والدفاعية. ويشير مدير أنظمة المركبات المُسيرة في شركة "سفينة" لبناء السفن بولاية يالوفا التركية، مصطفى لطفي جولك، إلى أن نظام القيادة والتحكم في المُسيرة "مرلين" على مستوى عالٍ من الدقة، وقادر على متابعة سلاسل الأوامر والمهام.
وأكد المسؤول عن الأنظمة غير المأهولة والمستقلة في شركة "أسليسان"، لطفي جولك، أن أنظمة التحكم الموجودة في المركبة تمنحها قدرة على تحقيق مستوى عالٍ من الأوتوماتيكية باستخدام الذكاء الصناعي. وأضاف أن الأنظمة قادرة على "استقبال معطيات متعددة يمكن تعديلها لتتناسب مع مهام مختلفة، وتوفر عند الحاجة مستوى عالياً من الأوتوماتيكية باستخدام الذكاء الصناعي".
وعلى صعيد التسليح، يمكن للمركبة البحرية المُسيرة أن تحمل عدداً من الأسلحة، بدءاً من مدفع رشاش بعيار 12.7 ملم، وعدد من الطوربيدات الخفيفة، وأنظمة السونار، كما يشير المهندس لطفي جولك إلى أن المُسيرة البحرية قادرة "على الكشف والتعامل مع أنواع الحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية".
ومن أهم التطورات الأخيرة التي شهدتها المركبة "مرلين" تزويدها بمنصة إطلاق لصواريخ "Kuzgun" تحتوي على 8 صواريخ، من النوع الذي يعمل بالوقود الصلب " Kuzgun-KY"، وطورت هذه الصواريخ مؤسسةُ TÜBİTAK-SAGE. ويبلغ وزن الصاروخ 75 كيلوغراماً برأس حربي وزنه 10 كيلوغرامات ومدى يصل إلى 20 كليومتراً.
ووفقاً للصحفي والمختص في الصناعات الدفاعية، سيرتاش أكسان، فإن هذه الميزات للصاروخ تضاعف من أهمية المركبة المُسيرة "مرلين"، ففي حال احتاجت البحرية إلى ضرب هدف معين، وبدلاً من إرسال الطائرات أو السفن الضخمة يمكن إرسال المركبة "مرلين" المزوَّدة بصواريخ "Kuzgun" لتؤدي المهمة.
لماذا هذه الأنظمة مهمة؟
أظهرت مسارح العمليات في أوكرانيا والبحر الأحمر الأثر الذي يمكن أن تلعبه القوارب المُسيرة، وتحديداً الانتحارية منها، في تحييد سفن الأسطول البحري التقليدية، فخلال المعارك أُصيب عدد من القطع البحرية الروسية بواسطة مركبات انتحارية أوكرانية، كما تمكنت جماعة الحوثي من تدمير عدد من السفن البحرية بواسطة أنظمة انتحارية.
بالإضافة إلى فوائدها العملياتية، فإن هذه الأنظمة قابلة للاستهلاك والخسارة، فلا أحد داخل هذه المركبات، مما يقلل من أي تكلفة بشرية، كما أنها رخيصة التكلفة، كما يوضح الباحث في الصناعات الدفاعية أنيل شاهين، الذي يلفت الانتباه إلى أنه في الوضع الطبيعي فإن بناء طرّاد بحري يكلِّف ما يقرب من 400 مليون دولار ويحتاج إلى ما يقل عن 4 سنوات من العمل، في حين تكلِّف هذه المنظومات ميزانيات أقل وتُنجَز بسرعة أكبر.
ويمكن لهذه المركبات كذلك تنفيذ مهام خطيرة كجمع المعلومات والاستخبارات، والعمليات التخريبية أو حتى العمليات المدنية مثل عمليات الإنقاذ في الظروف المناخية الخطيرة. وخلال المناورات التي أجراها حلف الناتو في شهر ديسمبر/كانون الأول 2022 أظهرت المركبة المُسيرة "مرلين" قدرات خاصة ومتقدمة جعلتها محط أنظار المشاركين.