يعاني المزارعون البسطاء على حدود القطاع الغزيّ التوغل المستمر للجرافات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فإما أن تجرف الأراضي المزروعة بالخضار والنباتات الموسمية البسيطة التي يقتاتون عليها ومن بيعها في الأسواق الفلسطينية، وإما من إطلاق النار والتعدي على المزارعين، وإما من إلقاء القنابل والغازات المسيلة للدموع أو أخرى مضرة على النباتات والمحاصيل، وكان آخر هذه التعديات، تجريف هائل ومتعمد لأراضي المنطقة الحدودية، وقطع أرزاق العائلات ميسورة الحال، تلك الأراضي التي شهدت انتهاكات عديدة ولم ترَ النور مرة أخرى إلا بعد مساعدة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد أن عمَّرتها وعملت على توفير خطوط أنابيب الري وإصلاح الدفيئات وتوفير السماد وغيره.
اليوم ومن جديد يعيش المزارعون على الحدود المأساة مرة أخرى، استيقظ المزارع إسماعيل أبو طعيمة ووالده وشقيقاه على الفاجعة، فبدلًا من أن ينهضوا بعد الفجر لرعاية أراضيهم ويهتموا بالزرع الذي يشكل متنفس الحياة، حقيقة، لهم ولعائلتهم، فهي على بساطة المزروعات فيها تعولهم جميعًا وتنفق على أولادهم الذين بات بعضهم يدرس في الجامعات، أخذ هؤلاء المزارعون يلملمون شتات أنفسهم ويجمعون ما تبقى من فتات أراضيهم.
أبو طعيمة في حديث خاص مع TRT عربي"وجه إلى أن أراضيهم التي تبلغ مساحتها 20 دونماً، كانت قد جُرفت قبل أقل من شهر من الآن قبل أن يعيدوا زراعتها مرة أخرى، وقد تفاجؤوا اليوم بتجريف الاحتلال لها، فالمنشورات التي ألقتها طائرات الاحتلال المسيرة لتبلغهم بأمر التجريف وأعطت مهلة زمنية للأمر، أفادت بأنه "ستُجرَّف المحاصيل الزراعية التي تبعد عن أقل من 100 متر عن الجدار الأمني" وأراضي أبو طعيمة وعائلته تبعد نحو 150 متراً، أي أنها ليست ضمن القرار" لكن الاحتلال الذي لا يعرف معنىً لأي معاهدة أو حقوق أو قرار، ولا يعرف الرحمة لم يمنعه أي شيء أن يحرم المزارعين من رزقهم.
وأي تهديد أمنيّ يخافه جيش الاحتلال من تلك الأراضي الزراعية التي لا يسمح أساساً فيها إلا بزراعة المحصولات الموسمية البسيطة، وبعض الخضروات التي تتمدد على الأرض، فيمنع زراعة الأشجار بحجة منعها الرؤية عن قوات الاحتلال فيما لا يخرج طيران الاستطلاع من أجواء القطاع أبداً.
أدهم البسيوني المتحدث باسم وزارة الزراعة في حوار خاص مع TRT عربي أكد أن "الشريط الحدودي وحده يمثل 25% من الإنتاج القومي في تلك المنطقة أي أنه يشكل جزءاً كبيراً من السلة الغذائية، كما يشكل جزءاً كبيراً من العامل الاقتصادي الفلسطيني سواء للمزارع أو اقتصاد القطاع ككل، ومن هذا الجانب فإن الاحتلال يمعن في اعتداءاته على المزارعين شرق قطاع غزة، وتتنوع هذه الاعتداءات بين إطلاق مباشر على المزارعين وإغراق الأراضي بالمياه العادية والعادمة أحياناً، وأحياناً أخرى برشها بالمبيدات المضرة للمحاصيل".
إن المنطقة الحدودية تحتوي على أخصب أنواع التربة في القطاع وأعذب المياه الموجودة فيه وأغناها بالمحاصيل الزراعية المتنوعة، ما يجعلها هدفاً مستمراً للنيران والجرافات الخاصة بقوات الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لحصار مواطني قطاع غزة بكل طريقة ممكنة، غير مكترث بأن تلك الأراضي هي قوت عيش آلاف المواطنين البسطاء السلميين الذين ينتظرون حصاد محاصيلهم كي يسدّوا جوع أبنائهم وبعض حاجياتهم البسيطة والطبيعية من ملبس وطعام وتعليم.
من الناحية القانونية وعلى الرغم من أن الصليب الأحمر هو من ساعد هؤلاء المزارعين على استئناف عملهم بأراضيهم الحدودية واطلاعه الدائم على الانتهاكات الإسرائيلية لأراضي القطاع ومناشداته الكثيرة لحماية المزارعين، فإن هذا لم يمنع الاحتلال الاستمرار في الاعتداء على المزارعين ومحاصيلهم.
وقد أكدت أميرة شعث وهي مختصة بالقانون الدولي لـTRT عربي سلامة الوضع القانوني للمزارعين وضرورة التحرك لاتخاذ إجراءات عاجلة ضد الممارسات الإسرائيلية في المحاكم الدولية، فإنّ "عملية الاقتحامات التي تجريها قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل الحدود الفلسطينية في قطاع غزة وتجريف الأراضي وإطلاق النار على المواطنين بخاصة المزارعين منهم، تؤثر عليهم بشكل سلبي، فهم يمارسون عملهم الطبيعي في هذه الأراضي، والقانون الدولي كفل لكل إنسان الحق في العمل لتوفير سبل العيش بحياة كريمة وتوفير المستلزمات كافة التي تضمن له هذه الحياة".
وأقرت شعث بأن "ممارسات الاحتلال القمعية تحرم المزارعين توفير المستلزمات الطبيعية لهم ولعائلاتهم والعيش بحياة آمنة وكريمة، ونعلم جميعًا أن المزارعين الذين يعيشون على حدود القطاع هم أكثر مواطني القطاع حاجة وفقراً، وهم يقتاتون ويعيشون فقط ما تطرحه لهم تلك الأراضي، من هنا فهم يعيشون بين نارين، نار الاحتلال الإسرائيلي ونار الحصار المفروض على القطاع، فيما يمنع القانون الدولي المساس بأمن المواطنين وحرمانهم عيشهم الكريم، لا سيما أن تلك الأراضي ضمن الحدود الفلسطينية، فلا يحق للاحتلال أن يمارس تعنُّته على مزارعين مدنيين سلميين يعملون بشكل طبيعي في أراضيهم داخل حدود قطاع غزة".
يذكر أن قوات الاحتلال تستهدف أراضي المواطنين بالمناطق الحدودية بشكل شبه يومي في قطاع غزة وتلاحق المزارعين منذ سنوات طويلة، وكان آخر ذلك إطلاق قوات الاحتلال النار تجاه الأراضي الزراعية شرق بلدة الفخاري شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، بلا تبليغ عن وقوع أي إصابات، وكانت عمدت قبل ذلك إلى فتح سدود المياه وإغراق المحاصيل، كما جرفت الكثير من أراضي المزارعين على طول الشريط الحدودي.