بعد أن انتشرت صورة أحد الباعة المتجولين على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يحمل ثلاثة صناديق بواسطة حبل على رقبته لعدم توفر عربة له، بادر الناشط المجتمعي الدكتور فهمي شراب برفقة صديق له بشراء عربة لذلك الرجل.
من هنا انطلقت فكرة مبادرة الـ150 عربة أو "مبادرة الأمل" كما أطلق عليها الناشط المجتمعي شراب، وذلك من خلال تبرُّع العديد من المساهمين الذين أعجبتهم فكرة تلك العربة من أجل توفير عربات للعاطلين عن العمل أو من يفترشون الأرض ببضاعتهم وتوزيعها عليهم بشكل مجاني.
ففي ظل الحصار والواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه سكان قطاع غزة وعدم توفُّر فرص عمل أصبحت نسبة البطالة من أعلى النسب في الوطن العربي.
وتعتبر مثل هذه المبادرة الأولى من نوعها على مستوى قطاع غزة، بخاصة أن أغلب الفئات المستهلكة من خريجي الجامعات والفئات المهمشة داخل المجتمع، بخاصة الذين يسكنون على المناطق الحدودية.
صناديق على الأكتاف
يقول أشرف البنا 38 عاماً وهو الشخص الذي كان يحمل الصناديق على متن رقبته: "كنت أعمل كسائق سيارة أجرة، وبسبب ضائقة مالية تعرضتُ لها بعت السيارة وعملت في بيع الخضروات بواسطة صناديق خشبية كنت أحملها على متن رقبتي".
ويتابع البنا وهو أب لخمسة أبناء قائلاً لـTRT عربي: "كنت أحمل تلك الصناديق على رقبتي، ويصل وزنها إلى 40 كيلو، وذلك لعدم توفُّر عربة أستطيع أن أبيع عليها، في أحد الأيام التقط لي أحد الصحفيين صورة وأنا أحمل تلك الصناديق على رقبتي وبادر بعض الخيِّرين بشراء عربة لي. منذ أن امتلكت تلك العربة تحسَّن وضعي وارتحت وأصبح الناس يتوافدون من أجل الشراء مني وتشجيعي للاستمرار.
ويضيف: "العربة بالنسبة إليَّ بمثابة الكنز الثمين الذي من خلاله أحصل على 10 دولارات بشكل يومي، أستطيع بها توفير متطلبات عائلتي، بخاصة أن لدي أختاً من ذوات الاحتياجات الخاصة".
رافقنا المبادر شراب أثناء عملية توزيع العربات على مجموعة من الأشخاص من ذوي الإعاقة وتحديداً بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، وأحد هؤلاء هو الشاب عبد الحواجري (33 عاماً): "العربة تعتبر بالنسبة إليَّ مصدر رزق فمن خلالها أستطيع العمل وإعالة نفسي وعائلتي فقد كنت بلا عمل".
ويشير الحواجري والابتسامة مرسومة على محياه بعد أن استلم العربة إلى أنه سوف يتمكن من توفير متطلبات عائلته، فهو سيبيع على تلك العربة ملابس وبعض (الإكسسورات) الأخرى، مبيناً أنه يجب الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة ودعمهم بالشكل المطلوب ودمجهم داخل المجتمع.
فئات مهمشة
ولتَعَرُّفِ تلك المبادرة أكثر يقول شراب لـTRT عربي وهو يراقب عملية تصنيع تلك العربات في أحد الورش: "انطلقت هذه المبادرة بشكل عفوي قبل شهر نصف وعملت بمساهمة العديد من الأصدقاء من أجل أن تستمر، ونعمل على تشغيل أكبر عدد من الناس في ظل الوضع الاقتصادي الصعب".
ويشير شراب إلى أن هذه المبادرة تستهدف الفئات المهمشة داخل قطاع غزة، إذ بدأت هذه المبادرة بتوزيع عربة واحدة ثم 5 عربات، وفي الفترة الحالية وصلنا إلى 120 عربة، وخلال الأيام المقبلة سيجري توزيع 30.
مشاريع تشغيلية
وينوه شراب بأنه خصص مجموعة من العربات للأشخاص ذوي الإعاقة لأنهم يعتبرون من الفئات المهمشة داخل المجتمع التي يجب على المسؤولين الاهتمام بها لأنهم قادرون على الانخراط داخل المجتمع على الرغم من الظروف التي تحيط بهم.
وبيَّن شراب أن من الضروري أن نهتم بالأشخاص العاطلين عن العمل، بخاصة الذين فقدوا عملهم جراء جائحة كورونا، وذلك حتى يتمكنوا من توفير متطلبات عوائلهم واحتياجاتهم في هذه الظروف الصعبة، منوها بأن تكلفة العربة الواحدة يبلغ نحو 200 دولار.
ويطمح شراب خلال الفترة المقبلة ألا تتوقف هذه المبادرة عند 150 عربة، وأن تستمر إلى أكثر من ذلك حتى يستفيد منها أكبر عدد من الناس وتجري محاربة البطالة من خلال المشاريع التشغيلية المستدامة.
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب لـTRT عربي: "إن مثل هذه المبادرات الإنسانية الداعمة لقطاع الشباب العاطلين عن العمل التي تتشكل بمجموعة من المؤشرات الخطيرة على رأسها ارتفاع نسبة البطالة إلى 49% ونسبة الفقر التي تتجاوز 60%".
تنمية مستدامة
ويضيف أبو جياب: "في هذا التوقيت بالتحديد تعتبر هذه المبادرات مهمة جداً من الجانب الاقتصادي، بخاصة بعد إغلاق العديد من المنشآت السياحية والخدماتية لعدم توفُّر وظائف وازدياد ملحوظ في نسبة الخريجين العاطلين عن العمل من أجل توفير فرص عمل".
ويتابع أبو جياب قائلاً: "وهذه المبادرة جزء من مكونات المجتمع الفلسطيني تاريخياً على مستوى التكافل الاجتماعي، لكونها جزءاً من أساليب المساعدة نتيجة حالة الحصار وإغلاق المعابر داخل قطاع غزة".
وينوه أبو جياب بأن ما يحتاج إليه العاطلون عن العمل بغزة من أجل الخلاص من الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشون فيه هو التنمية المستدامة والاقتصاد الممكن على المستوى العام وإقامة منظومة اقتصادية متكاملة من خلال إقامة المشاريع التشغيلية الصغيرة المستقلة، بخاصة أن اقتصاد العالم يرتكز على تلك المشاريع.