في أعقاب مجزرة ليلة الثلاثاء التي ارتكبتها إسرائيل بقصف المستشفى المعمداني المكتظ بالمرضى والمدنيين الذين احتموا بالمكان، اندلعت مظاهرات شعبية واسعة في جميع أنحاء العالم للتنديد بهذه الجرائم والمطالبة بوقف العدوان السافر.
بينما يرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن استمرار الحرب وتوسعها على المحور البري قد يدفع أطرافاً أخرى، بما في ذلك فلسطينيو الضفة وحزب الله، للدخول إلى ميدان الحرب التي تُعد حالياً نقطة انعطاف في الشرق الأوسط الذي قد يشهد نشوب صراع أوسع نطاقاً مع استمرار مساعي الحكومة الإسرائيلية لاستبدال التصورات الإقليمية عن ضعف إسرائيل وهشاشتها بصور القوة الإسرائيلية التي لا تقهر.
الغرب يؤجج الصراع
في غضون ساعات من بدء الهجوم الجوي المروّع الذي شنته إسرائيل على غزة رداً على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة، وفي استعراض كبير للقوة العسكرية، أرسلت الولايات المتحدة أكبر حاملة طائرات في العالم، "يو إس إس جيرالد آر فورد"، وأتبعتها بمجموعة حاملة طائرات هجومية ثانية يوم السبت، بينما سارعت دول غربية أخرى لتزويد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة والقنابل لضمان استمرار القصف السافر على غزة.
وبحسب سي إن إن، فإنه ليس المقصود من السفن الحربية الأمريكية الانضمام إلى القتال في غزة أو المشاركة في العمليات الإسرائيلية، لكن وجود اثنتين من أقوى السفن البحرية يهدف إلى إرسال رسالة ردع إلى إيران وحزب الله في لبنان.
هذا الدعم الغربي اللامحدود دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتهام الولايات المتحدة، الأربعاء، بتأجيج الوضع في الشرق الأوسط بإرسال حاملات طائرات إلى المنطقة. وقال "لا أفهم لماذا تذهب الولايات المتحدة بمجموعة حاملة الطائرات إلى البحر المتوسط، لا أفهم حقاً مغزى هذا، هل سيقصفون لبنان أم ماذا؟"، حسبما نقلت رويترز.
وفي مكالمة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأحد، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مجدداً أنه "إذا لم تتوقف فظائع النظام الصهيوني، بما في ذلك الحصار والقتل الجماعي، فإن الوضع سيصبح أكثر تعقيداً، وسوف يتوسع المسرح"، وفقاً للأناضول.
وهو الأمر الذي أكده أيضاً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بعد الانتهاء من جولته الإقليمية التي شملت أربع دول التي قادته إلى العراق وسوريا ولبنان وقطر، إذ قال "إن خطر توسع الحرب آخذ في الارتفاع".
سيناريوهات توسع الحرب
وبينما تشتد الحرب على غزة، فإنها تواجه أيضاً خطر نشوب صراع أوسع نطاقاً على جبهات جديدة، إذ تشكل المواجهة مع حزب الله اللبناني القوي المدعوم من إيران في الشمال، ومع سوريا، نقاط اشتعال محتملة، وفقاً لشبكة سي إن إن.
وترى فورين أفيرز أنه في أسوأ السيناريوهات، لن يبقى الصراع محصوراً في غزة. إذ إن الغزو المطول لغزة من شأنه أن يولد ضغوطاً هائلة من شأنها أن تدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى حافة الهاوية، التي قد لا تتمكن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس -أو ربما غير راغبة- في احتوائها.
وانتقال الصراع إلى الضفة الغربية -سواء على شكل انتفاضة جديدة أو استيلاء إسرائيل على أراضٍ جديدة للمستوطنين- قد يؤدي إلى نزوح جماعي قسري آخر للفلسطينيين، أو موجة جديدة من اللاجئين إلى الأردن ولبنان المثقلين بالفعل بأعباء خطيرة، أو احتوائهم بالقوة من مصر في جيوب في شبه جزيرة سيناء.
وتقول المجلة الأمريكية إن بعض الساسة والنقاد الأمريكيين والإسرائيليين يرحبون بحرب أوسع نطاقاً. وقد دعوا، على وجه الخصوص، إلى شن هجوم على إيران مدّعين وجود دور إيراني في هجوم حماس.
لكن توسيع الحرب لتشمل إيران من شأنه أن يفرض مخاطر هائلة، ليس فقط في شكل رد إيراني ضد إسرائيل، بل أيضاً في شكل هجمات ضد شحن النفط في الخليج وتصعيد محتمل عبر العراق واليمن والجبهات الأخرى التي يسيطر عليها حلفاء إيران.
انحراف البوصلة الغربية عن أوكرانيا
بحسب وول ستريت جورنال، فإن حرب إسرائيل على غزة لا تهدد فقط بإشعال حريق إقليمي. بل إنها تؤثر في توازن القوى العالمي أيضاً، ما يؤدي إلى استنزاف الموارد الأمريكية والأوروبية، وفي الوقت ذاته تخفف الضغط على روسيا وتقدم فرصاً جديدة إلى الصين.
وقال مقال نشرته مجلة فورين أفيرز إن الغزو الوشيك لغزة سوف يشكل كارثة إنسانية وأخلاقية واستراتيجية. فهو لن يضر بشدة بأمن إسرائيل على المدى الطويل ويسبب تكاليف بشرية لا يمكن تصورها للفلسطينيين فحسب، بل سيهدد أيضاً المصالح الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط، وكذلك في أوكرانيا التي قد تسقط عن بوصلة الاهتمام الغربي.
فإذا اتسعت رقعة الحرب في الشرق الأوسط لتشمل لبنان وبعدها ربما إيران مع تدخل الولايات المتحدة مباشرة، فإن الدعم العسكري والموارد المتقلصة بالفعل، المقرر تخصيصها لأوكرانيا قد تصير أشد ندرة، وهو خطر صرحت به كييف، وفقاً لتقرير آخر نشرته وول ستريت جورنال.