تتغير الأساليب الهجومية للعدو في ساحات المعركة يوماً بعد يوم. ومع التطور السريع للتكنولوجيا، يشهد قطاع الصناعات الدفاعية تحديثات مستمرة لمواكبة هذا التطور. وتلعب الصور التي تنشرها الأطراف المتصارعة في ساحات المعارك على منصات التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تحديد المنتج الذي يحتاج إليه الميدان، إذ يجري استخدامها كبيانات في دراسات البحث والتطوير.
وأصبح الذكاء الاصطناعي، ونظام الهجوم الجماعي، ونظام القيادة والسيطرة Advent وغيرها الكثير جزءاً من المنتجات الدفاعية بفضل التكنولوجيا الحديثة. كل هذه التطورات تجعل من الصعب تحديث نظام دفاعي عمره عشرات السنوات ليتوافق مع التقنيات الحديثة المعتمدة في ميدان المعارك.
وبعد تحول الطائرات بدون طيار والطائرات الانتحارية إلى سلاح أساسي في معارك اليوم، بفضل تكلفتها المنخفضة وسهولة نقلها وتركيبها وفاعليتها في الهجمات الجوية، أصبح من الضروري وجود نظام دفاعي قادر على مواجهة هذه التهديدات.
وأظهرت الطائرات المسيّرة التي أرسلتها إيران إلى إسرائيل من مسافة تزيد على أكثر من 1500 كيلومتر من داخل أراضيها مؤشراً على أن المنتجات الهجومية غير المأهولة ستزداد أهميتها في مستقبل ساحات المعارك.
واعتبرَ بعض المحللين العسكريين أن الهجوم الإيراني أظهر ضعف نظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية" لإسرائيل، إذ أصبح من الصعب على نظام "القبة الحديدية"، الذي حاولت تل أبيب تسويقه كواحد من أكثر الأنظمة الدفاعية أماناً في العالم، الرد على الهجمات الجماعية. لأن إيران لم تستخدم الطرق الثقيلة بل أرسلت أبسط أنواع المسيّرات من ناحية التكنولوجيا عبر هجوم جماعي منخفض الارتفاع.
وفتح هذا التطور نقاشاً حول نقطة ضعف جديدة في الأنظمة الدفاعية الجوية وهي عدم مواكبتها الهجوم الجماعي والمسيّرات المقاتلة منخفضة الارتفاع.
صممت أنظمة الدفاع الجوي التقليدية باتريوت، وS-400 والقبة الحديدية، بشكل أساسي للتصدي للهجمات الجوية على ارتفاعات عالية، لكنها أقل فاعلية عند التصدي لهجمات متوسطة ومنخفضة الارتفاع، وذلك استناداً إلى التطورات الأخيرة في ساحات المعارك حول العالم.
تتركز هذه المناقشات على أسباب مثل التكلفة العالية، ووقت التركيب، وصعوبة توفير الذخيرة وما إلى ذلك من التحديات الميدانية. بينما تركز الشركات المصنعة لأنظمة الدفاع الجوي التقليدية على تطوير منتجات موجهة نحو هجمات طويلة المدى وعالية التدمير، ولكن من جانب آخر تظهر التطورات الميدانية الحاجة إلى منتجات منخفضة الارتفاع وذات تدمير منخفض.
إذ إن أي تهديدات منخفضة الارتفاع وقليلة التكلفة لا تدخل ضمن نطاق التغطية الرادارية, لذا لا تجد مكانها في أنظمة الدفاع الجوي الموجهة للذخائر بعيدة المدى وعالية التدمير.
وفي هذا السياق، يأتي نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات "القبّة الفولاذية" الذي تطوره تركيا في ضوء البيانات الميدانية، كاستجابة مناسبة للتغيرات في مفاهيم الهجوم الجديدة.
وبعد القصور الجلي في أنظمة "باتريوت"، والتحديات والعقوبات المفروضة S-400 ، سرّعت تركيا من أعمال تطوير نظام الدفاع الجوي الخاص بها. ونجح المهندسون الأتراك في تطوير مفهوم جديد للدفاع الجوي من خلال "القبّة الفولاذية"، والذي سيقلل من الاعتماد الخارجي إلى الصفر حسب تصريحات المسؤولين الأتراك.
المهندسون الأتراك طوّروا نظام دفاع جوي متكاملاً يتكون من "البطاريات الرئيسية، ونظام القيادة والسيطرة، وأنظمة الرادار، ونظام تتبع الأهداف، ونظام الحرب إلكترونية"، والعديد من الأنظمة الرئيسية والفرعية الأخرى، فضلاً عن مئات الحواسيب وآلاف البرامج، ليكون بذلك واحداً من أكثر الأنظمة تطوراً وتعقيداً على مستوى العالم.
يجمع "القبّة الفولاذية" بين الأنظمة الدفاعية الجوية على ارتفاعات منخفضة، ومتوسطة، وعالية تحت سقف واحد. وتتميز جميع هذه الأنظمة بالقدرة على العمل بشكل متناسق مع المنصات البحرية.
لكن ما يميز "القبّة الفولاذية" هو تركيزها على نظم الدفاع الجوي القريب. يتضمن هذا النظام تحت سقف واحد أنظمة عدة مثل "كورت"، و"غرز"، و"غوكبيرك"، و"حصار"، و"سيبر" بالإضافة إلى ذلك الرادارات مثل رادار التحكم في إطلاق النار، ورادار تتبع الأهداف، ورادار البحث، ورادار الاتصالات، ورادار التحكم، وأجهزة الكمبيوتر الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي تتابع وتمنع التدمير.
كل هذه الأنظمة طُورت من خلال تعاون العديد من شركات الصناعات الدفاعية المحلية تحت إشراف شركة أسيلسان. كما انضم إلى هذه المجموعة نظام "أريس" للإنذار المبكر الذي يكشف عن التهديدات قبل وصولها إلى الهدف وإبلاغها إلى مركز القيادة. كما بدأ استخدام صواريخ الدفاع الجوي "غوكدوغان"، و"غوكتوغ"، و"بوزدوغان" التي جرى تصنيعها من قبل شركات روكيتسان وتوبيتاك ساجي ضمن نظام الدفاع الجوي "القبّة الفولاذية".
وبسبب التكلفة العالية للذخائر المستخدمة في الأنظمة الدفاعية الجوية التقليدية، تصبح خياراً مستبعداً عند التصدي لأهداف منخفضة الارتفاع وذات تكلفة منخفضة. ففي بعض الأحيان يمكن أن تكون المنتجات الأقل تكلفة أكثر فاعليةً إذا جرى استخدامها بشكل استراتيجي في المواقع المناسبة.
ومن المرجح أن لا تقوم الجيوش التي تستخدم نظام S-400 أو باتريوت لحماية مجالها الجوي، بإطلاق النار على طائرة كاميكازي (الطائرة المسيّرة الانتحارية الصغيرة) منخفضة التكلفة، لعدة أسباب، أولها تجنب إهدار ذخيرة مكلفة تزيد عن أكثر من 70 ألف دولار، وعدم قدرة الرادار على كشف الهدف الصغير، وربما استهانة المستخدِم بالهدف القادم وعدم اعتباره تهديداً حقيقياً.
بالمقابل، في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات، يجري الكشف عن الهدف من خلال نظام الكشف المبكر، وتحديد نوعه بعد الإقلاع، وتحديد النظام المناسب للتصدي له على أساس الأولوية من قبل نظام القيادة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. كل هذ العمليات تجري دون تدخل بشري وفي غضون ثوانٍ قليلة من مركز واحد.