صادف عشرات المهندسين الصينيين، بمن فيهم فنيو غرف الأبحاث، الذين عادوا إلى ديارهم بعد الدراسة والعمل في الدول الغربية للانضمام إلى شركة SMIC، وهي مصنع للدوائر المتكاملة (IC) أنشأه ريتشارد تشانغ، وهو خبير أمريكي من أصول تايوانية متخصص في صناعة أشباه الموصلات.
قال نيشي لـTRT World عن لقائه: "لقد تأثرت بحماسهم"، "ومع ذلك لم أفاجأ على وجه التحديد بهم، ببساطة لأنني رأيت عدداً مشابهاً جدّاً من الأشخاص في كوريا الجنوبية خلال فترة النمو السريع لصناعة IC هناك.
كان مفتاح نجاح شركة SMIC هو العمال الصينيين الوافدين مدفوعين بشعار ماو تسي تونغ الوطني "zili gengsheng" (الاعتماد على الذات)، والمهندسين الأجانب الذين أغرتهم حوافز اقتصادية أفضل.
تهدف قيود التصدير الأمريكية الأخيرة إلى تقييد تَقدُّم الصين في مجال أشباه الموصلات، وتسعى لتثبيط تدفُّق هؤلاء المهندسين الأجانب أنفسهم إلى شركات التكنولوجيا الصينية.
بموجب القواعد الجديدة التي أُعلنَ عنها في أكتوبر/تشرين الأول 2022، منعت واشنطن المواطنين الأمريكيين أو حاملي البطاقة الخضراء أو المقيمين من العمل مع الشركات الصينية العاملة في تطوير أو إنتاج رقائق متقدمة.
تقول الدكتورة مونيك تشو، وهي محاضرة السياسة الصينية في جامعة ساوثهامبتون: "هذه ضربة كبيرة لصناعة أشباه الموصلات في الصين".
هل تهدد SMIC هيمنة الرقائق الأمريكية؟
شركة SMIC هي ما يسمّيه أهل الاختصاص بالمصنع الخاص Fab للدوائر المتكاملة المصمَّمة والمطوَّرة لدى شركات أخرى مثل AMD وNVIDIA.
مثل Apple تصمّم أجهزة iPhone الخاصة بها، ولكنها تستعين بمصادر خارجية للإنتاج لشركة مثل Foxconn الصينية، يعتمد صانعو IC على مصانع الـfabs لإنتاج الرقائق.
لكن العملية ليست مجرد مسألة تركيب آلات يمكن للعمال من خلالها سحب بعض الروافع واكتساب المهارات بمرور الوقت والحصول على حصة في السوق.
يكلّف مصنع الـFab ما بين 10 و15 مليار دولار. ويمكن أن تمرّ سنوات قبل أن تسجّل الشركة بالفعل أي ربح. على الرغم من الإعانات الحكومية، كانت SMIC دائماً تتخلف عن المنافسين مثل شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC) وشركة GlobalFoundries الأمريكية ببضعة أجيال.
على سبيل المثال، إذا كانت شركة TSMC تنتج رقائق متقدمة لهواتف آيفون طرازات iPhone 13 التي صُنّعَت على عقد 5 نانومترات، فإن معظم أعمال SMIC تتمحور حول رقائق 28 نانومتراً أو أقدم.
تشير "نانومتر" -أصغر من البكتيريا- إلى المسافة بين الترانزستورات على الرقاقة. تعني المسافة الأصغر أنه يمكن وضع مزيد من الترانزستورات على رقاقة السيليكون، مما يؤدي إلى زيادة الأداء مع تقليل التكلفة في نفس الوقت.
في أغسطس/آب 2022، وردت أنباء تفيد بأن SMIC بدأت إنتاج شرائح على عقد 7 نانومترات، وأن شركة ما كانت تستخدمها في خوادمها. لم يكن المختصون يتوقعون أن تحقّق SMIC هذه القدرة، بخاصة أن الولايات المتحدة منعت وصول الصين إلى أحدث آلات الطباعة الحجرية EUV العاملة بالأشعة فوق البنفسجية والتي تدخل في صميم إنتاج الرقائق المتقدمة.
بموجب إجراءاتها الأخيرة، وضعت إدارة بايدن حدّاً للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه شركات أشباه الموصلات الصينية في رفع قدرتها. على سبيل المثال، حُظرَت أي معدات أو خدمة تمكّن SMIC من إنتاج شرائح أكثر تقدماً من 14 نانومتراً.
ولكن إذا كانت شركة SMIC دائماً متأخرة أربع سنوات على الأقلّ عن المصانع الأخرى في سباق اللحاق بالركب التكنولوجي، فما الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات القاسية؟
يقول كلايد بريستويتز رئيس معهد الاستراتيجية الاقتصادية: "يمكن أن تصنع SMIC رقائق أكثر تقدماً من تلك المستخدمة في أجهزة التليفزيون فقط". وأضاف لـTRTWorld: "إنها بالتأكيد متخلفة عن TSMC وIntel، لكنها ليست بعيدة كما يُظَنّ. إنها تحصل على مبلغ هائل من أموال الحكومة الصينية لمساعدتها على اللحاق بالركب".
جدير بالذكر أنه يمكن أيضاً نشر الرقائق المتقدمة، بخاصة تلك التي تقف وراء تطبيقات الذكاء الصناعي، في أسلحة متطورة مثل الطائرات المسيَّرة والصواريخ.
سلاح SMIC السري
لم تكُن SMIC دائماً في لوائح أمريكيا السيئة. ريتشارد تشانغ مؤسس الشركة قضى 20 عاماً في العمل في عملاق أشباه الموصلات الشهير Texas Instruments جنباً إلى جنب مع جاك كيلبي، رائد الدوائر المتكاملة الحائز على جائزة نوبل.
في عام 2003 استثمر بنك Goldman Sachs وغيره من الأسهم الخاصة في SMIC، التي كانت تبرز كشركة مصنعة موثوقة للرقائق منخفضة التكلفة.
يقول دوغلاس فولر، الأستاذ في كلية كوبنهاغن للأعمال ومؤلف كتاب Paper Tigers, Hidden Dragons: Firms and the Political Economy، "لقد منحتها الحكومة الأمريكية في النهاية وصولاً سريعاً إلى المعدات الرأسمالية مقارنة بالشركات الصينية الأخرى لأنها كانت مصدراً موثوقاً به للتنمية التكنولوجية في الصين".
وفي تصريحه لـTRT World قال لولر: "كان البائعون الأجانب يتعاونون عن طيب خاطر مع SMIC على الأقلّ إلى وُضعَت SMIC في قائمة كيانات وزارة التجارة الأمريكية عام 2020".
على مرّ السنين، واصلت SMIC تسجيل الاختراقات، واكتسبت التقنيات اللازمة لصنع رقائق على العقد المتطورة باستمرار، 90 نانومتراً عام 2006، و65 نانومتراً عام 2009، و40 نانومتراً عام 2011.
بحلول عام 2014، اعتبرت SMIC شركة Qualcomm أحد عملائها، وكانت الشركة تنفق كثيراً على البحث والتطوير للتنافس مع TSMC وGlobalFoundries وSamsung.
في السنوات الأخيرة، كانت القوة الدافعة الرئيسية وراء محاولة SMIC صنع رقائق متقدمة هي Liang Mong Song، وهو خبير في صناعة أشباه الموصلات يحظى باحترام كبير، وهو الرئيس التنفيذي المشارك للشركة.
عمل سونغ، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، لسنوات عديدة في TSMC وSamsung، حيث كان أحد العالِمَين اللذين حظيا بتقدير كبير لإنجازهما تصنيع رقائق بحجم 14 نانومتراً للشركة الكورية الجنوبية.
كافحت شركة SMIC لكسب المال، ولكن هذا كما يقول متخصصون أقلّ ما يقلق بكين التي باتت تملك غالبية أسهم الشركة.
يقول مات برايسون، العضو المنتدب لأبحاث الأسهم في Wedbush Securities، وهي شركة استثمارية مقرها لوس أنجلوس: "تعرّف الشركات الصينية النجاح على أنه جزء من (سياسة) الصين الكبرى".
وأضاف في حديثه مع TRTWorld: "في حين أن شركات مثل TSMC وIntel تعطي وزناً كبيراً لجني الأرباح للمساهمين، فقد ركزت شركة SMIC على تحقيق التقدم التكنولوجي. نعم، لقد تخلت SMIC عن شيء ما من الناحية المالية. ولكن في ما يتعلق بما ينتجون للصين، فهي مقايضة يمكن أن تُجرِيها بكين".
كانت العقبة الرئيسية لشركة SMIC هي عدم قدرتها على الحصول على آلات الطباعة الحجرية الضوئية EUV، التي لا تصنعها إلا الشركة الهولندية ASML.
بلا مُعَدّات EUV، تتزايد على المصنع صعوبة إنتاج رقائق متقدمة بالسعر المناسب.
"تُعتبر شركة SMIC فريدة إلى حد ما في إنتاج رقائق 7 نانومترات. في هذه المرحلة، في العالم أربع شركات يمكنها إنتاج رقائق بهذا الحجم بغضّ النظر عما إذا كان ذلك مربحاً أم لا، وتُعتبر شركة SMIC واحدة من هذه الأربع.